المقال مترجم من صحيفة التيليغراف
يُعد الناتج المحلي الخام من أكثر المؤشرات أهمية في الاقتصاد، لكن هل يمكن اعتباره مقياسًا جيداً للنمو الاقتصادي؟
للمرة الأولى في هذا العام، ينشر مكتب الإحصاء الوطني[1] بيانات عن الرفاهية الاقتصادية في بريطانيا، مما يعطينا فكرة أوضح عن مدى تأثير النمو الاقتصادي على البريطانيين العاديين. لكن كالمعتاد؛ ركز مكتب الإحصاء على الحالة المادية العامة، مثل: مستويات الديون، الاقتراض، وقياس النمو الاقتصادي لدينا من حيث إجمالي الناتج المحلي.
لقد سيطرت هذه الأرقام طويلًا على الحوار الدائر حول صحة الاقتصاد، وغالبًا ما يُقدَّم السياسيون للمساءلة بناءً على هذه الأرقام، لكن مكتب الإحصاء قد اخذ قرارًا الآن بإعطاء أهمية أكبر وعلى نطاق أوسع لمؤشرات الاقتصاد الأخرى.
فهل سيكون هذا بمثابة نهاية الإحصائيات عن أكثر بند تمت دراسته في الاقتصاد “الناتج المحلي الإجمالي”؟
ما هو الناتج المحلي الإجمالي ؟
هو تقدير لإجمالي قيم السلع و الخدمات المنتجة في بلد ما، ويهدف قياسه إلى تصوير الاقتصاد بشكل دقيق في صورة قيم نقدية. ويُعّرَّف من قِبل مكتب الإحصاء الوطني بأنه: “إجمالي ما ينتجه الاقتصاد”.
في بريطانيا، يتم احتساب الناتج المحلي الإجمالي من خلال مزيج من الأساليب التي تشمل مجموع الأموال المنفقة والأموال المكتسبة والقيم المضافة في كل عام.
لطالما اعتبر الناتج المحلي الإجمالي أفضل مقياس للنشاط الاقتصادي الكلي، سواءٌ أكان في المملكة المتحدة أو في مختلف أنحاء العالم. وهو أيضًا المقياس الذي يرجع إليه أكثرنا عندما نتحدث عن النمو أو الإنكماش.
لكن مع وجود – على الأقل– اقتصادي واحد حاصل على جائزة نوبل، منتقدًا “هوس الناتج المحلي الإجمالي “.
هل حان الوقت لنوقف التركيز على الناتج المحلي الإجمالي ؟
عثرات الناتج المحلي الإجمالي:
بأخذه منفردًا، يُعد الناتج المحلي الإجمالي مقياسًا غير مكتملٍ للاقتصاد الحديث متعدد الجوانب، حقيقة دفعت مكتب الإحصاء الوطني لإعطاء اهتمام أكبر لمتغيرات مختلفة لقياس النمو والتقدم.
المعضلة الرئيسية الناتجة عن استخدام الناتج المحلي الإجمالي كمقياس للاقتصاد؛ هي أنه لا يخبرنا بما يفيد عن الرفاهية الاقتصادية العامة أو الفردية، على سبيل المثال: كثيرًا ما يقال عن الأرقام الرئيسية في الناتج المحلي الإجمالي أنها تشير إلى ما إذا كان البلد ينمو؟ وما هو مقدار النمو؟ ولكن، هل يجب أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي بنفس معدل زيادة السكان؟
غالبًا لن تكون هناك أي زيادة في محصلة الناتج فيما يخص الرفاهية المادية.
هذا بالضبط ما حدث في المملكة المتحدة، زيادة السكان تعني أنه على أساس نصيب الفرد – المؤشر الذي يمثل السكان – نرى أن إنتاجنا فشل في التعافي من الكساد الكبير عام 2008، ويوضح ذلك المخطط البياني أعلاه. و بالرغم من أن الاقتصاد يمكن أن يكون أكبر مما كان عليه في عام 2008، إلا أن تعداد سكان بريطانيا الكبير يعني أن الناتج لا يزال أقل من ذروة ما قبل الأزمة بـ6%.
المراجعات:
قضية أخرى دومًا ما تُثار حول إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي؛ أي أنها – هذه الإحصاءات – محل للمراجعة شبه المستمرة.
فعلى الرغم من أهميتها للمؤرخين الاقتصاديين وكونها خبرًا جيدًا للمستشارين، فلا يزال الأمر محل جدل؛ إذا ما كان للمراجعات أي أثر قد لمسه الأفراد في أعقاب الأزمة.
في وقت سابق من هذا العام، كشفت التغييرات في طريقة حساب مكتب الإحصاء للناتج المحلي الإجمالي أن الاقتصاد البريطاني خرج من الركود قبل تسعة أشهر عما كنا نظن أولًا.
حقائق كهذه، هي التي دفعت مكتب الإحصاء الوطني لإلقاء نظرة على مجموعة أوسع من المؤشرات التي يمكن أن تساعد في فهم ماذا يعني الانتعاش الاقتصادي بالنسبة لمعظم الناس.
إذًا ماذا نستخدم بدلًا من ذلك؟
مكتب الإحصاء الوطني لم يكشف بعد عن مجموعة المقاييس التي ستوضع بجوار أرقام الناتج المحلي الإجمالي لقياس الرفاهية الاقتصادية، لكن من المرجح أن تشمل عددًا من الأرقام الموجودة أصلًا في الحسابات القومية.
الدخل:
يمثل الخط الأصفر بالأسفل إجمالي الدخل القومي القابل للتصرف فيه للبريطانيين و معدل التضخم.
يظهر المخطط البياني في الجزء الأكبر منه، أن مستويات الدخل المتاح للتصرف بالنسبة للفرد تتبع الناتج المحلي الإجمالي بشكل قريب جدًا، على عكس الخط الأحمر أعلاه الذى ظل ثابتًا منذ عام 2009، انخفض صافي الدخل المتاح للسكان بشكل كبير منذ عام 2013.
من الممكن أن نلقي نظرة أدق على كيفية تحقيق الدخول الفردية، وذلك من خلال دراسة النقود المتاحة على مستوى الأسر (قطاع العائلات في المجتمع).
الخط الأصفر بالأسفل؛ هو مقياس للدخل العائلي الحقيقي الذي يأخذ في الاعتبار مستوى الضرائب المدفوعة والفوائد التي نتلقاها
تبعًا لمكتب الإحصاء الوطني، هذا المقياس ذو صلة مباشرة بتقييم الرفاهية الاقتصادية للأسر.
يظهر اتجاه المخطط البياني أن الأسر عانت من الأثر المتأخر للركود في عام 2008، حيث كانت الدخول جيدة إلى حد ما عقب حدوث الأزمة مباشرة. إلا أنها انخفضت بشدة منذ عام 2010، حيث فشلت في التعافي وقتها.
الخط الأحمر أعلاه يمثل مقياسًا لمتوسط دخل الأسرة، ويشير إلى كيفية توزيع الدخل و الموارد تجاه السكان، مثلًا: على الرغم من أن مستويات الدخل الكلي قد تكون بلا تغيير، هذا يمكن أن يحجب تغيرًا في نسب توزيع الدخل حيث يستحوذ الأغنياء على شريحة أكبر من الفقراء الذين يكونون في نهاية القائمة.
خط متوسط الدخل يتبع خط الدخل المتاح للتصرف فيه بشكل متقارب؛ مما يشير إلى أنه لم تكن هناك تغييرات في توزيع الدخل منذ الركود.
الثروة:
بالإضافة إلى الدخل، تعد الثروة أيضًا مقياسًا مفيدًا لنا في قياس الرفاهية المادية، ويقوم مكتب الإحصاء الوطني بحساب ثروة الأسر بالفعل على أساس قيمة الأصول المادية و المالية.
يوضح الشريط الأخضر بالأعلى كيف كان ارتفاع الثروة تابعًا للطفرة في أسعار العقارات 1997-2007، منذ البداية وحتى الركود. ومع ذلك، تراجع صافي الثروة ويقترب من ذروة ما قبل الأزمة عام 2012؛ وعلى النقيض من ذلك، نما صافي الأصول المالية بشكل كبير منذ الحدث متجاوزًا الــ3 ترليون عام 2012.
هل هي نهاية الناتج المحلي الإجمالي؟
أكد مكتب الإحصاء الوطني على أن مجموعته الجديدة من المتغيرات (متغيرات قياس الرفاهية الاقتصادية) ستكون متكاملة، وذلك بدلًا من مجرد قياس الناتج المحلي الإجمالي.
بالرغم من التركيز على مشاكل بيانات المخرجات، فإن الإحصائيات “ستساعد في إعطاء نظرة أشمل وأعم للوضع الاقتصادي” كما يقول مكتب الإحصاء الوطني.
هذا هو النبأ السار لمراقبي الاقتصاد في الفترة التي تسبق الانتخابات، حيث تهيمن بالفعل الحجة والحجة المعاكسة حول التكلفة الحقيقية للمعيشة على النقاش السياسي.
لكن إعطاء المزيد من الإهتمام لمتغيرات الاقتصاد البديلة ليس مُرَجِّحًا لنهاية الناتج المحلي الإجمالي بعد، ففي كل مكان توجد الكثير من التدابير التي تساعد في تعزيز الثقة في حقيقة أن الناتج المحلي الإجمالي لا يزال من أفضل الطرق للمقارنة بين الاقتصادات المختلفة، مما يعني أنه منافس للجميع، وسوف تمر فترة قبل أن يفقد الناتج المحلي الإجمالي مكانته كأهم رقم في الاقتصاد.
[1] OSN The Office for National Statistics مكتب الإحصاء الوطني