انخفاضُ سعر الذهب -الذي وصل إلى أدنى مستوى له خلال خمس سنوات في 20 يوليو/ تموز الماضي – أمرٌ محير، أليس كذلك؟
|| يتم تسعير الذهب غالبا بالدولار مقابل وزن محدد من الذهب كالغرام أو الكيلوغرام (1000غرام) أو الأ,نصة ( 28.35غرام||
فكيف لسعر الذهب أن ينخفض هكذا؟ للإجابة على هذا السؤال يجب علينا أن نتطرق لبعض الأمور الهامة حول الذهب..
سعر الذهب يعكس العرض والطلب على الذهب في الوقت الحالي كما يعكس توقعات الناس لهذا السعر في المستقبل، فهناك أمران يؤثران على سعر الذهب:
الأول: الكمية المعروضة و المطلوبة منه.
الثاني: توقعات الناس حول سعره في المستقبل. – أي أن الأمر يختلف إذا ظن الناس أن سعر الذهب سيرتفع مستقبلًا أو سينخف –.
فالمعدن الأصفر يُستخدم لغرضين – للمثال لا للحصر- الغرض
الغرض الأول: هو كونه سلعة يتم استخدامها في الإلكترونيات، المجوهرات، وطب الأسنان ..الخ.
أما الغرض الثاني: فكونه مخزنًا للقيمة حيث يُعتبر خصوصًا كتأمين ضد الاضطرابات السياسية والاقتصادية
ولكن الذهب لا يشبه سائر الأصول الأخرى كالعقارات مثلًا فهو لا يجلب دخلًا، ولا يكلف أموالًا لتخزينه.
فحتى الآن المعدن اللامع – وبعض المستثمرين سيئي الحظ الذين يفضلونه – في ورطة حقيقية؛ فقد ارتفعت قيمة الذهب بشكل كبير إثر الأزمة المالية التي بلغت ذروتها في عام 2011 لكنها عادت للتدهور منذ ذلك الحين أيضا (انظر الرسم) الأمر الذي جعل البعض يعتقد أنّه قد يتراجع إلى ما دون 1000 دولار للأوقية وهذا في عام 2015.
العامل الأكثر تسببًا في تدهور سعر الذهب هو ارتفاع قيمة الدولار، ومن الجدير بالذكر أن الذهب يتم تسعيره غالبًا بالدولار، فإذا ارتفعت قيمة العملة الأمريكية يُخفِّض المستثمرون من تقييم المعدن الأصفر تبعًا لذلك؛ لأن الذهب و الدولار يُعتبران – معًا – كمخزن للقيمة، لذا يفضل الناس ادّخارَ أموالهم عن طريق شراء الذهب أو الدولار، فإذا ارتفع سعر الدولار فإن نسبة من الناس الذين كانوا سيدخرون عن طريق شراء الذهب سيفضلون الادخار في الدولار، وبالتالي فإن الطلب على الذهب سينخفض، وحسب قانون الطلب؛ فإن سعر الذهب سينخفض أيضًا
هناك عامل إضافي آخر، وهو أن الدولار يرتفع إذا انتعش الاقتصاد الأمريكي المرتبط كثيرًا بأسعار الفائدة، فارتفاع سعر الفائدة في الاقتصاد الأمريكي يؤثر سلبًا على سعر الذهب.
وارتفاع أسعار الفائدة يزيد من الفرصة البديلة للاحتفاظ بالأصول ذات العائد المنعدم، مثل الذهب كما ذكرنا سابق، فعوضًا عن ادخار المال في سبائك غير ذات فائدة يمكن استثمارها في سندات الخزانة أو أحد الاستثمارات النقدية الأخرى كإقراض تلك النقود في شكل من أشكال الدين، كما تتميز أرباح الشركات الكبرى، فعندما يكون العائد على الاستثمار في أسهم الشركات الكبرى كبيرًا؛ يكون عدم اغتنام الفرصة في الاستثمار فيها أمرًا محزنًا للغاية.
ويبقى الأمل الأكبر لمحبي الذهب كانت الصين التي تجاهد لجعل عملتها مخزنًا للقيمة،أي سلعة يشتريها الناس للادخار فيها كالدولار مثًلا، والتي عمدت إلى رفع احتياطياتها من الذهب ليماثل مستوى نظيراتها في الغرب، لكن يبدو أن ذلك الهدف لن يتحقق. حقيقيٌّ أن الصين عززت من مخزونها من الذهب لكن ذلك ليس بكافٍ على الإطلاق؛ فبالنسبة إلى المخزون العالمي من الذهب، فإن حصة الصين تتناقص مع مرور الوقت.
يعاني الذهب أيضًا بسبب موجة كبيرة من الأخبار السياسية الجيدة على غير العادة؛ فاتفاق منطقة اليورو حول اليونان قلل من فرصة حدوث فوضى بشعة كان من المتوقع حدوثها بسبب تفكك أو ربما انهيار العملة الموحدة، كما أن الاتفاق النووي السلمي مع إيران سيقلل من احتمالية حدوث أي حرب متوقعة تميل إلى رفع قيمة الذهب، كما أنها تشير إلى فرص اتفاق أوسع نطاقًا بشأن قضايا الشرق الأوسط كقضية سوريا، وهو الأمر الذي يجعل التشاؤم هو العامل الأكبر للاحتفاظ بالذهب وزيادة الطلب عليه وبالتالي ارتفاع قيمته.
يعتقد بعض المختصين في شأن الذهب أن الوتيرة التي تتبعها البنوك المركزية في خلق المال من الفراغ – عبر “التيسير الكمي” بلغة السياسة النقدية – سوف يحكم على الصرح المالي العالمي كله بالانهيار، لكن حتى الآن فإن ثقة العامَّة في النقود الورقية – المدعومة فقط من ثقة الناس فيها ليس بقيمتها الذاتية كالذهب – لم تضعف.
في النهاية، نستطيع أن نقول أنه إذا انهار الاقتصاد العالمي فعليًا بشكل كامل، فإن الرصاص) إشارة إلأى طلقات الأسلحة ( سيكون أكثرَ أهميةَ من الذهب!