“إن العالم سيصبح تحت سيطرة الشركات متعددة الجنسيات ، والتي تهيمن على الشطر الأعظم من الناتج الصناعي فيه”
{ستيفن هيبر، اقتصادي أمريكي وباحث أكاديمي في مجال نظريات الشركات عابرة الجنسيات}
تُعد الشركات متعددة الجنسيات إحدى السمات الأساسية للنظام الاقتصادي العالمي المعاصر، وذلك انطلاقًا من طبيعة الدور الذي تقوم به هذه الشركات في نقل التقنية والخبرات التسويقية والإدارية المصاحبة لقيامها بالاستثمار المباشر في العديد من دول العالم.
ويُعبِّر مصطلح الشركات متعددة الجنسيات (TNCs: transnational corporations) (1) عن الشركات أو المؤسسات التي تتألف من الشركة الأم والفروع التابعة لها، وتنخرط عادةً في أنشطة اقتصادية متعددة عابرة للحدود الوطنية، أي أنها تنتج السلع والخدمات في الأسواق الداخلية والخارجية معًا.
وتُعرف الشركة الأم على أنها المؤسسة التي تتحكم في أصول الفروع الأخرى الموجودة خارج حدود دولة الشركة الأم، وعادةً ما يكون ذلك عن طريق امتلاك حصة معينة من رأسمالها (10٪ أو أكثر من أسهمها مما يتيح لها القدرة على التصويت على القرارات الهامة داخل هذه الفروع
تعاظم الدور العالمي
أصبح للشركات متعددة الجنسيات دور متزايد في الاقتصاد العالمي، وأصبحت الدولة كإطار مؤسسي تتعايش مع مؤسسات ومنظمات مكملة ومنافسة لها.
ووفق تقرير الاستثمار العالمي لعام 1992 (2)، فقد أصبحت الشركات متعددة الجنسيات منذ التسعينات هي المُنظم المركزي والرئيسي للأنشطة الاقتصادية في اقتصاد عالمي يزداد ارتباطا بفضل العولمة الاقتصادية.
تطور هائل ومستمر
جدول رقم (1): التدفقات الخارجية للاستثمار الأجنبي المباشر وأعداد الشركات متعددة الجنسيات، 1995-2010 (مليون دولار
شهد العالم زيادة هائلة في عدد الشركات عابرة الجنسيات، كما هو موضح في الجدول رقم (1). ومنذ التسعينات، ارتفع عدد الشركات متعددة الجنسيات من 38.5 ألف شركة إلى أكثر من 103.7 ألف شركة في عام 2010، أي أن عدد الشركات متعددة الجنسيات التي تمارس نشاطها في الاقتصاد العالمي خلال تلك الفترة ارتفع بنسبة 169%. أما عدد الفروع التابعة لهذه الشركات خارج الدولة الأم فقد ارتفع ليصل إلى أكثر من 800 ألف فرع بحلول عام 2010.
وقد تم اعتبار منطقة اليورو (الاتحاد الأوروبي) أكثر مناطق العالم جذبًا لأنشطة الشركات متعددة الجنسيات، فوفقًا للبيانات الموضحة في الشكل رقم (1) اختار 89% من المستثمرين الذين شملهم استقصاء حول تفضيلات الشركات متعددة الجنسيات لوجهات استثماراتهم الاتحاد الأوروبي كواحد من أفضل 5 وجهات للاستثمار.
فيما حازت منطقة شمال إفريقيا – ومنها مصر- على حصة منخفضة للغاية (2% فقط من الشركات متعددة الجنسيات تضع دول شمال إفريقيا في قائمة أفضل 5 وجهات للاستثمار)، وذلك لأن المستثمرين لا يزالون حذرين بشأن عدم الاستقرار السياسي في المنطقة.
الشكل رقم (1) :استقصاء رأي لتفضيلات الشركات متعددة الجنسيات للدول المضيفة لاستثماراتها المستقبلية (النسبة المئوية، 2016)
كما تشير البيانات التي تنشرها مجلة fortune عن أكبر 500 شركة في العالم، إلى أن معظم الشركات متعددة الجنسيات يقع مقرها الرئيسي في الدول المتقدمة، في حين ينتشر نشاطها على مستوى العالم بأسره بما في ذلك الدول النامية. وتستحوذ الولايات المتحدة والصين على النسبة الأكبر (تتجاوز 60%) من إيرادات أكبر 10 شركات في العالم لعام 2014، والتي يبلغ حجم أعمالها نحو 3.281 تريليون دولار (3 تريليون و281 مليار دولار)، وتحقق أرباحًا سنوية قدرها 146.711 مليار دولار (146 مليارًا و711 مليون دولار) (3).
دور الشركات متعددة الجنسيات في التجارة الدولية
ويكمن تأثير الشركات متعددة الجنسيات على التجارة الدولية في تكوين أنماط جديدة من التخصص وتقسيم العمل من خلال تطبيق ما يسمى بعولمة الأسواق، بحيث يتم إنتاج الأجزاء المكونة للسلعة الواحدة في أماكن مختلفة من العالم، وذلك من خلال الشركات متعددة الجنسيات المنتشرة فروعها في معظم أنحاء العالم. وقد أدى ذلك إلى عولمة قرارات الإنتاج والاستثمار.
الشكل رقم (2): دور الشركات متعددة الجنسيات في تشكيل أنماط القيمة المضافة في التجارة الدولية
وبالتالي تمارس هذه الشركات تأثيرًا كبيرًا على هيكل التجارة الدولية بما تمتلكه من موارد وقدرات وإمكانيات وتقنيات هائلة من شأنها أن تمنح عددًا محدودًا من دول العالم ميزة تنافسية في العديد من الصناعات والأنشطة التي تعتمد على عناصر الجودة والتكلفة والإنتاجية والسعر، وهو ما يزيد من حجم التجارة الدولية بين دول العالم، التي تتم من خلال الشركات متعددة الجنسيات، نظرًا للانتشار الواسع لفروعها في كافة أنحاء العالم.
عناصر القوة الاقتصادية
تسيطر هذه الشركات على معظم الأصول الإنتاجية العالمية، كما تمتلك إمكانات مادية وبشرية ضخمة، توفر لها إمكانية الاقتراض بأفضل الشروط من الأسواق المالية العالمية، وتمكنها قدراتها التسويقية من النفاذ إلى الأسواق الخارجية في جميع أنحاء العالم.
الإمكانات المادية
تتحكم هذه الشركات في السياسة النقدية الدولية والاستقرار النقدي العالمي، لما تمتلكه من أصول ضخمة مقوَمة بالعملات المختلفة للدول التي تمارس بها نشاطها الاستثماري، حيث تجاوزت الأصول السائلة من الذهب والاحتياطيات النقدية لدى الشركات متعددة الجنسيات حوالي ضعفيّ أو ثلاثة أضعاف الاحتياطي الدولي منها. على سبيل المثال؛ فإن شركة وول مارت يتجاوز حجم مبيعاتها السنوية الناتج المحلى الإجمالي لـ 161 دولة بما في ذلك إسرائيل وبولندا واليونان (4).
الموارد البشرية
كما تمتلك هذه الشركات موارد بشرية ضخمة، وتساهم بشكل فعَّال في توظيف القوى العاملة في العالم، حيث تشير البيانات إلى أن الفروع التابعة لهذه الشركات وحدها توظف أكثر من 45 مليون شخص في جميع أنحاء العالم وهذا العدد في زيادة مستمرة (5).
المصادر
(1) https://www.pik-potsdam.de/members/edenh/theses/masterschaub.pdf
(2) http://unctad.org/en/Docs/wir1992_en.pdf