يعتبر الاستثمار في أسواق رأس المال أحد الطرق التي تساهم بشكل كبير في النمو الاقتصادي. ويجدر الذكر أن مصطلح “سوق المال” ليس مصطلحًا حديث الظهور وإنما هو مفهوم مرتبط تاريخيًا بالتطور الاقتصادي والصناعي الذي مرت به معظم دول العالم.
يعتبر البعض أن الاستثمار في أسواق المال من أكثر الاستثمارات درًّا للربح، إضافة إلى عدم احتياجه إلى رأس مال كبير، فالاستثمار في أسواق المال يتميز بسرعة إسالة الأصول المستخدمة فيه )الأوراق المالية(. فهو عكس الاستثمار في القطاع العقاري. على سبيل المثال؛ يمكنك بيع أصولك بيسر أكبر وفي وقت أقل دون أن تفقد جزءًا كبيرًا من قيمة الأصل.
التطور التاريخي لأسواق رأس المال
بما أن الحاجة أم الاختراع، فقد كان ظهور سوق رأس المال كمكان للاستثمار والتبادل من أجل تحقيق الربح بمثابة حل سحري لحاجة الأشخاص الذين يمتلكون أفكارًا استثمارية واعدة لكنهم يفتقرون للأموال، حيث ربط سوق رأس المال بين هؤلاء الأشخاص والمدَّخرين الذين لديهم فائض الأموال لكنهم لا يملكون القدرات التي تسمح لهم باستثماره لتحقيق أرباح. ففي كتاب (مقدمة في الأسواق المالية) تشير الدكتورة هدى محمد رشوان إلى أن:
الهدف الأساسي من وجود الأسواق المالية في الاقتصاد القومي؛ هو تنظيم تدفق الأموال من الوحدات الاقتصادية التي تتوفر فيها أموال فائضة عن احتياجاتها الاستثمارية إلى الوحدات الاقتصادية التي تعاني عجزًا في الأموال قياسًا بحجم برامجها الاستثمارية
ومع الوقت، وبزيادة هذا الحشد من المتداولين، وجدت الدولة نفسها أمام فوضى تحتاج إلى عملية تنظيمية، فنشأت أسواق رأس المال خاصةً بعد دخول الحكومة كأحد أعضاء السوق منذ بدء إصداراها للسندات الحكومية.
التقسيم الهيكلي لسوق رأس المال
يمكننا تقسيم سوق رأس المال إلى نوعين، هما:
السوق الأوليّ
ويعرف بسوق الإصدار، والذي يتم فيه إصدار الأوراق المالية كـالأسهم والسندات لأول مرة عن طريق المؤسسات التي تملك القدرة على ذلك) كفتح شركة ما لرأسمالها عن طريق إصدار أسهم جديدة أو اقتراض حكومة ما أموالًا لسد عجز الموازنة عن طريق إصدار أذون خزانة(، وبالتالي يكون بائعو الأوراق المالية في هذا السوق هم المؤسسات التي أصدرتها.
يعتبر هذا السوق بمثابة مصدر تمويل مستمر للشركات التي بحاجه إلى تمويل دائم بوسيلة أخرى غير الاقتراض من البنوك. ويكون التعامل في هذا السوق عن طريق ما يعرف بــ”الاكتتاب” الذي يتمثل في طرح الشركة لأسهمها في البورصة من أجل الحصول على قدر معين من المال من المكتتبين على أسهمها ويحصل المكتتب في المقابل على صك ملكية بقيمة ما تم الاكتتاب به، والاكتتاب نوعان، هما:
- اكتتاب عام: ويظهر في المشروعات العملاقة التي بحاجةٍ إلى رأس مال كبير، فيتم طرح أسهم الشركة للجمهور العام.
- اكتتاب خاص: يظهر في المشروعات الصغيرة، وتقتصر الدعوة في هذا النوع من الاكتتاب على أشخاص تتم دعوتهم إليه.
السوق الثانوي
ويعرف أيضًا باسم سوق التداول، وهو سوق مكمل للسوق الأوليّ حيث يتم فيه تداول الأوراق المالية التي تم إصدارها وبيعها في السوق الأوليّ. ويكون هدف المستثمر في هذه السوق الاستفادة من فروق الأسعار أو ما يسمى بالمضاربة.
ينقسم السوق الثانوي إلى فئتين، هما:
السوق المنظمة (البورصة)
وتعرف أيضًا بسوق المزاد أو السوق الرسمية، وهي السوق التي يتم فيها تبادل الأوراق المالية التي سبق إصدارها في السوق الأوليّ وذلك وفقًا لقواعد وقوانين محددة بدقة.
وللبورصة أنواع ثلاثة:
- بورصة الأسهم والسندات: وهي عبارة عن بورصة محلية خاصة بكل دولة على حدة وتخضع لقواعد وقوانين محلية. تختلف بورصات الأسهم والسندات فيما بينها في عدد الشركات المدرجة بها وأيام الإجازات وساعات التداول، وتعتبر البورصة المصرية من أقدم البورصات والتي تم إنشاؤها باسم “بورصة الإسكندرية” عام 1883 لتنشأ بعدها “بورصة القاهرة” عام 1903، وتم دمجهم تحت اسم “البورصة المصرية” عام 2008.
- بورصة العملات (الفوركس): هو سوق خارج المقصورة ، وليس له مقر ولا مكان فيزيائي، بعكس بورصة الأسهم والسندات الموجودة بكل دولة، ويتم التداول في بورصة العملات بشكل مستمر أي أنها تعمل 24 ساعة يوميًّا مع إجازة أسبوعية ثابتة يومي السبت والأحد كالبنوك العالمية. ويكون التداول فيها بعملات الدول.
- بورصة السلع: وهي التي يتم فيها تحديد سعر السلعة الاستراتيجية (كالقطن والذهب والبترول وغيرها). ومن الأمثلة عليها بورصة البن بلندن وبورصة القمح بشيكاغو.
السوق غير المنظمة أو السوق الموازي
تسمى أيضًا سوق التداول خارج البورصة (خارج المقصورة) وهي السوق التي تتعامل فيها الشركات التي لم تستوفِ شروط التسجيل في البورصات الرسمية. وبالتالي فهي لا تخضع لقوانين محددة ودقيقة كالبورصة. لهذا ينتقد العديد من الاقتصاديين هذا نظرًا لعدم وجود آليات تحدّ من التدهور في أسعار الأوراق المالية في هذه السوق وفق تغيرات العرض والطلب على الأوراق المالية المتداولة في هذه السوق. بالإضافة إلى ذلك، فلا يوجد مكان مخصص لعملية التداول كالبورصة بل يتم التداول من خلال شبكه كبيرة من أجهزه التواصل تجمع بين المتعاملين في هذه السوق من أجل أن يتم تحديد الأسعار عن طريق التفاوض. أما عن الحد الأدنى للقيمة السوقية لأسهم الشركة المدرجة في السوق الموازية فيكون أقل بحوالي عشرة بالمئة تقريبًا منه في البورصة الرسمية. إضافة إلى وجود مرونة أكثر في متطلبات الطرح والإدراج للشركات في هذا السوق.
أدوات الاستثمار في البورصة
الاستثمار في البورصة هي عملية تبادلية يتم فيها توظيف أموال الفرد في مشروع أو مؤسسة ما بما يعود عليها بالنفع عن طريق التوسع في مشاريع وشركات في شتى القطاعات.
أما عن أدوات الاستثمار في البورصة فهي نوعان، أدوات مالية أساسية وأخرى مشتقة
الأدوات مالية الأساسية
الأسهم
هي صك ملكية في صوره نقدية أو عينية تطرحه الشركة المساهمة عن طريق الاكتتاب، بحيث يعطي لحاملها الحق في جزء من الأرباح بعد إقرار الجمعيات العمومية، إضافة إلى الحق في اقتسام أصول الشركة في حال إفلاسها. كما أن هذا النوع من الأدوات هو بمثابة طريقه تمويل دائمة لهذه الشركات. وتنقسم الأسهم إلى نوعين
- أسهم عادية: هي الأسهم التي تمنح حاملها حقًا في الأرباح التي توزعها الشركة، كما أن حامل هذا النوع من الأسهم له الأولوية في الاكتتاب عند زيادة رأس مال الشركة، واقتسام أصول الشركة في حال تصفيتها، كما أن له حق الاطلاع على دفاتر الشركة والتصويت على قرارات الجمعيات العمومية.
- أسهم ممتازة: هي التي تعطي لحاملها الأولوية في اقتسام الأرباح والحصول على ناتج التصفية عن حاملي الأسهم العادية.
السندات
هي بمثابة صك مديونية تصدرها الشركة والدولة بالقيمة الاسمية وهنا لا يتكلف حامل السند أي خسائر قد تتعرض لها الشركة لأنه ليس شريكًا بها وذلك على عكس حامل الأسهم. وتعتبر السندات الحكومية أكثر الأوراق المالية أمانًا حيث أنه لا توجد بها مخاطرة.
الصكوك
هي أيضًا صك مديونية لكنها تختلف عن السند بأن المستثمر هنا هو شريك في الشركة وليس دائنًا للشركة، وعائده يكون على شكل نسبة من الأرباح، ويتحمل المستثمر هنا أي خسارة تتعرض لها الشركة.
أدوات مالية مشتقة
وظهرت هذه الأدوات في بداية الأمر كأداة لإدارة المخاطر التي يواجها المستثمرون في السوق طويلة الأجل، ثم بعد ذلك كأداة للمضاربة ويتم التداول بها في الأسواق الآجلة الرسمية وغير الرسمية. وتنقسم إلى ثلاثة أنواع، هم:
- الخيارات: هي إحدى الأدوات المالية وانتشرت في سوق السلع ثم العملات الأجنبية وأخيرًا في الأسواق المالية وقيمتها تشتق من اتجاهات الأوراق المالية محل التعاقد أو السلع أو مؤشرات الأسعار. وعقود الخيارات تعطي لحاملها حق بيع السلعة وشرائها بقيمة ووقت محددين سابقًا، كما تعطيه حق الملكية بمجرد دفع القيمة كاملة لبائع عقد الخيار.
- العقود الآجلة أو المستقبليات: هو عقد بين طرفين يكون الغرض منه بيع أو شراء أصل ما يسمى “بالأصل محل العقد” بسعر وتاريخ مستقبلي يتم تحديده وقت إصدار العقد وذلك لتقليل المخاطر التي قد تنجم عن تغير الأسعار في المستقبل، وكثر استخدام هذا النوع من المشتقات في الجهاز المصرفي لتفادي مخاطر تغير أسعار الصرف، ولكن ندر ظهورها في الأسواق المالية.
- المقايضات أو المبادلات: هو أيضًا اتفاق بين طرفين، ولكن على تبادل مجموعة معينة من التدفقات أو الأصول المالية والعينية بتحديد قيمتها مسبقًا على أن تتم عمليه التبادل مستقبليًا إلى جانب أنه يتم استخدامها بشكل كبير بين أصحاب الشركات والمناقصات الكبيرة. ويرجع تاريخ استخدام عقود المبادلات إلى عام 1970 عندما طور تجار العملة مبادلات العملة كوسيلة لتجنب الرقابة البريطانية على تحركات العملات الأجنبية.
وظائف سوق رأس المال وتأثيرها على التنمية الاقتصادية
تعبئة الادخار وتمويل الاستثمارات
كما تناولنا سابقًا فالسبب الرئيسي من وجود سوق رأس المال هو تمويل الاستثمار عن طريق التنسيق بين أشخاص يمتلكون أفكارًا استثمارية ومفتقرين للأموال والعكس، وذلك عن طريق تجميع تلك الفوائض التي تعجز الحكومات والبنوك التجارية عن توفيرها ثم توجيهها في الدورة الاقتصادية للاستثمار بالأدوات المالية المتنوعة السابق ذكرها كالأسهم والسندات وغيرها.
توفير السيولة
وهي من أبرز وظائف أسواق رأس المال، بحيث توفر السيولة بشكل مستمر للمشاريع الاستثمارية طويلة الأجل عكس البنوك، إلى جانب سهولة تحويل تلك الأدوات المالية إلى نقود عند تداولها مما يساعد في تحريك عجلة النمو والتنمية الاقتصادية.
الاحتفاظ بالثروة
فالأدوات المالية التي يوفرها سوق المال تعمل كمخزن للقيمة، بمعنى أنه يمكن الاحتفاظ بها للتداول في الوقت الذي تضمن فيه هذه الأداة الأمان والربح، وبالتالي زيادة الثروة للمستثمر أو المدخر.
تخفيض مخاطر الاستثمار
يتم تخفيض المخاطر سواء الناتجة عن سوء الإدارة أو تقلبات الأسواق عن طريق تنويع الأدوات المالية المكونة للمحفظة المالية مما يقلل المخاطر، إلى جانب خاصية توفير جميع المعلومات عن أداء الشركات الذي يساعد في اختيار الأداة المالية من الشركة المناسبة والمتوقع الربح من خلالها.
تحقيق الاستقرار الاقتصادي
فتوفير كل الوظائف السابق ذكرها لسوق رأس المال والطرق المختلفة لتوفير السيولة بشكل مستمر للمشاريع الاستثمارية قصيرة الأجل أو طويلة الأجل يساعد في النمو الاقتصادي وارتفاع مستوى معيشة الفرد وتقليل التضخم وتوفير فرص عمل في ظل وجود تلك المشاريع.
خاتمة
في النهاية، وبعد أن أخذنا جولة للتعرف على الأسواق المالية توصلنا إلى أن المضاربة في هذا السوق متاحة للجميع كما أن لها دورًا حيويًا في تنميه الاقتصاد لذا لابد من التوعية بأهميتها وكيفية المشاركة بها لتحريك عجله التنمية والنمو الاقتصادي الذي يعود بالنفع على الأفراد والمجتمع.
المراجع
- كتاب الأسواق المالية من منظور إسلامي، د. مبارك بن سليمان ال فواز.
- رسالة ماجستير بعنوان دور سوق رأس المال في تمويل الاستثمار، دراسة حالة الجزائر وتونس و المغرب، إعداد الطالبة لموشي راية.
- بحث بعنوان “دور سوق رأس المال في تمويل الاستثمار”.
- بحث بعنوان “مخاطر الاستثمار في الأوراق المالية”، للأستاذ عبد القادر عمران.
- مقال عن تعريف الاكتتاب العام والخاص لعبد الحميد شمس الدين.
- بحث بعنوان “الاستثمار في أسواق رأس المال ودورها في جذب الاستثمارات الأجنبية”.
- مقال بمدونه ترند كاست بعنوان: “ما هو السوق الموازي وما الفرق بينه و بين سوق الأسهم الرئيسي؟”