اقتصاد الظل | ما وراء الكواليس
اقتصاد الظل
أينما وُجد الضوء كان الظل موجودًا.. وأينما وُجد كيان أو نظام ما تُسَلط عليه الأضواء وتتجه إليه الأنظار فهناك كيان خفي يعمل بجد ولا يهدأ ولا يأبه بما يفعله الكيان الرسمي تقريبًا… بل يقتات على ما يواجهه الكيان الرسمي وما يمر به من أزمات لكي ينمو ويصبح مساويًا له وأحد المؤثرات –إن لم يكن أكبرها على الإطلاق– عليه.
وها هو الاقتصاد الموازي، كثيرًا ما سمعنا أو قرأنا عن اقتصاد الخفاء واقتصاد الظل، وكثيرًا ما سمعنا عن جهود الحكومة والاقتصاديين لدحره ومحاولة الحد منه.
فما هو الاقتصاد الموازي الذي يعمل بالخفاء أو كما يُطلق عليه اقتصاد الظل أو اقتصاد الخفاء؟!
ببساطة؛ هو الاقتصاد الذي لا رقابة عليه. فالفرق بينه وبين الاقتصاد الظاهر؛ هو أن الظاهر يخضع للرقابة وللقوانين والاجراءات المنظمة له، بينما الخفي؛ هو الاقتصاد الذي لايخضع للنظم والقوانين ولا رقابة عليه .
ولمزيد من توضيح الصورة للأذهان فالاقتصاد الموازى او اقتصاد الظل حولنا فى كل مكان ونستطيع أن نراه في الكثير من الأنشطة التي تُمارس حولنا كالمشروعات الحرفية (الغير مرخصة)، وتجارة المخدرات، ودور القمار والدعارة، والمشروعات المنزلية الصغيرة (كالخياطة)، والبيع الجائل (الباعة الجائلين أو باعة الأرصفة).
ويبقى أن نقول أنه حسب آخر التقديرات الاقتصاد الرسمي في مصر، فإنه يمثل 40: 60 % من الناتج المحلي، ويحقق أرباحا تفوق الـ 100% لندرك حجم هذا الاقتصاد وتأثيره!
بشكل أدق وبتعريف أشمل؛ هو مجموعة من الأنشطة والممارسات التي تنشأ على هامش الاقتصاد الرسمي الغير مسجلة والغير محسوبة في الحسابات الاقتصادية الرسمية والتي تُمارس من قِبَل أطراف أو جماعات. الهدف الرئيسي من هذه الأنشطة؛ هو الربح السهل بعيدًا عن الرقابة الحكومية وبعيدا عن الضرائب والاستقطاعات، وطبعا نستنتج من التعريف أن هذه الأنشطة غير نظامية، وتسير بشكل عشوائي وفردي، وذات مستوى متدني من التنظيم .
ويرجع الفضل إلى استخدام واكتشاف هذا المصطلح لأول مرة إلى الاقتصادي “كيث هارت” عام 1971 حينما نشر دارسة ميدانية حول الدول الإفريقية الشبه صحراوية وبالأخص غانا، كان هذا في إطار برنامج العمل المعتمد من (مكتب العمل الدولي) و(البنك الدولي )…
بعد هذا أعاد مكتب العمل الدولي استعمال نفس المصطلح عندما أصدر دراسة عن طبيعة العمل الحضري في كينيا عام 1972.. حيث ذُكر في هذه الدراسة أن المشكلة الاجتماعية الكبرى التي تواجه الدول النامية ليست البطالة، بل مزاولة عدد لابأس بها من قبل الطبقة العاملة في نشاطات كما ذكر عنها أنها تمتاز بالقسوة وأنها تنتج سلعًا وخدماتٍ غير مُعترف بها من الجهات المعنية كما أنها غير مسجلة وغير مراقبة؛ وبالتالي غير خاضعة للحماية.
مما سبق يجب أن نقف سويًا على مميزات اقتصاد الظل وخصائصه التي ستعرِّفنا عليه بشكل أفضل.
– يتميز اقتصاد الظل أنه اقتصاد نفقي بحت؛ بمعنى أنه يهدُفُ إلى تحقيق الربح فقط بغض النظر عن أثره أكانت إيجابًا أو سلبًا على اقتصاد الدولة… أي أنها مجموعة من الأنشطة التي تخلق دخلًا للطبقات الفقيرة محدودة الدخل أو الغير مؤهلة لسوق العمل وكذلك الطبقي التي تتسم بالبطالة بشكل عام.
وكما ذكرنا سابقا أن الاقتصاد الموازي هو اقتصاد غير نظامي؛ بمعنى أنه عشوائي وغير منظم فقط يهدف إلى الربح العاجل والسريع وبعيد تماما وغير مرتبط بنشاط الدولة الاقتصادي.
يتميز كذلك بكثافة اليد العاملة، وانخفاض رأس المال حيث أن هذه الأنشطة تعتمد بشكل كامل على التمويل الذاتي والمدخرات الفردية والدعم العائلي.
– وأهم ما يميز أو ما يمكنك أن تميز به الاقتصاد الموازي؛ هو عدم خضوعه لأي رقابة حكومية كما أنه لا يُعتد به في الحسابات القومية رغم تأثيره الكبير على اقتصاد الدولة؛ أي أنه يتميز بالسرية والعمل في الخفاء مما يترتب عليه أنه يتهرب من كافة الاستحقاقات الحكومية كالرسوم والضرائب… الخ
أما بخصوص منتجات القطاع أو الناتج النهائي للقطاع؛ فيتميز بأنه ناتج موجه للاستهلاك النهائي (أي أنه لا يدخل في أي من القطاعات الصناعية أو الزراعية أو حتى التجارية) فقط موجه للأفراد والاستهلاك.
بعد ما تناولنا تعريف هذا الاقتصاد وخصائصه، تبقى سؤال: ما هي أهم الأسباب التي قد تدفع الأفراد إلى مزاولة مثل هذه الأنشطة تجاوزًا للقوانين وتهميشًا للدولة وللكيان الاقتصادي القومي؟
هناك عدة عوامل تصنَّف أنها : اقتصادية، إدارية، وسياسية:
- العامل الاقتصادي: يُعتبر من أهم العوامل التي تتميز بها الكثير من الدول النامية؛ وهو ما قد يعرّفه الاقتصاديون الليبراليون بمصطلح: (الانحراف الاقتصادي) والذي يمكن أن نفسِّره بأنه الانحراف الذي يحدث للنشاط الاقتصادي نتيجة للتدخل المفرط للدولة في النشاط الاقتصادي.
ولمزيد من التوضيح نحتاج إلى مثال؛ التقييم الحكومي أو الإداري للعملة الوطنية الذي غالبا ما يكون أعلى من القيمة السوقية الحقيقية للعملة؛ فيصبح سعر الصرف الرسمي للعملة بعيدا جدا عن السعر الحقيقي للعملة وهو ما يحدث حاليا مع الجنيه المصري.
وما ينتج عن هذا التقويم الوهمي؛ هو معدلات التضخم التي ترهق اقتصاد الدولة وطبعا هذا في غياب دور الإنتاج الوطني (الناتج المحلي) المرن الذي يؤثر بشكل أساسي في قيمة العملة بشكل طردي (زيادة الإنتاج المحلي تؤدي لزيادة القيمة السوقية الحقيقية للعملة الوطنية) وما ينتج عن هذا، مثل: ازدياد معدلات تسريح العمال، وتراجع دورالدولة في تقديم المساعدات والمنح والدعم. طبعا في ظل الجمود في سوق العمل مع تزايد معدلات البطالة بشكل متسارع وكبير يلجأ المعظم للنشاطات الهامشية والتي تعرف باسم آخر هنا؛ وهو نشاطات اقتصاديات الظل مما يؤدي لظهورها بشكل كبير، وظهور أسواق موازية للأسواق الرسمية.
- العامل الإداري: وهو ما يتمثل في البيروقراطية اللامتناهية في الأنظمة الإدارية التي تتمثل في تعقد الإجراءات الإدارية للبدء في مزاولة نشاط اقتصادي معين كمرحلة استخراج رخصة مزاولة التجارة والسجل التجاري، وتعقد الإجراءات للحصول على القروض البنكية، كذلك عدم وجود معونات ومساعدات؛ مايدفع الأفراد إلى التهرب من رقابة الدولة المعقدة.
كذلك ارتفاع الضرائب والرسوم بشكل كبير وتعجيزي؛ مما ينفر الأفراد لمزاولة النشاط الاقتصادي تحت رقابة القانون والرقابة الإدارية.
- العامل السياسي الذي يتمثل في ضعف المؤسسات الحكومية في إدارة النشاط الاقتصادي للدولة، هذا إذا وُجد أساسَا، وتركيز الأجهزة الحكومية فقط على أنشطة أو تحركات أخرى وتكثيف الدخل لها مما يؤدي إلى إهمالها لما هو أهم مما يؤدي بالطبع إلى خلق أسواق موازية تمارَس فيها الأنشطة التي يجب أن تمارَس من قِبَل الدولة أو تحت رقابة الدولة بدون رقابة وبدون استفادة فعلية للدولة.
إن ظهور الأسواق الموازية ونمو أنشطة اقتصاد الظل لها أثرٌ كبير على الاقتصاد بشكل مباشر ومؤثر، وأيضًا بشكل غير مباشر على المجتمع أيضا، فما هي تلك الآثار وكيف تلجأ الحكومات لحسابها ومحاربتها؟!
هذا ما سنتناوله تفصيليا في الجزء الثاني من هذا التقرير، فانتظرونا