- المصدر: http://www.bloomberg.com/quote/USDEGP:CUR
هل تعلم ما معنى هذا الخط المتعرج الذي لا ينفك عن الصعود؟
إنه سعر صرف الجنيه المصري في مقابل الدولار الأمريكي خلال الخمس سنوات الأخيرة،
من المؤكد أن أخبار انهيار الجنيه قد وصلت إلى مسامعك، ولا بد أنك تساءلت طويلًا ما معنى ذلك؟ كيف يمكن للجنيه أن ينهار؟ وما معنى انهياره أصلًا؟ هل سيؤثر هذا الانهيار عليّ بشكل شخصي؟ وكيف ذلك؟ سنحاول الإجابة على كل تلك الأسئلة التي تدور بفكرك..
في البداية، ما هو الجنيه أصلًا؟
سلعة
نعم، هذا صحيح، عندما تسمع في النشرات الإخبارية أن قيمة الجنيه قد انخفضت؛ فهذا يعني أن للجنيه قيمة كغيره من السلع، لكنه يبقى سلعة فريدة من نوعها فهو ينتمي لفئة من السلع تُسمى بــ(العملات)
ما معنى ذلك؟
كما ذكرنا سابقا فالعملة، أو النقود كما نسميها عادة؛ هي ما يُستعمل كوسيط للتبادل عندما نريد أن نبادل سلعة بأخرى – للمزيد من المعلومات يُرجى مراجعة المقال السابق
– عندما تريد أن تبيع خضرًا قد قمت بزراعتها في مزرعتك الصغيرة فأنت تفعل ذلك مقابل مبلغٍ من المال –النقود/العملة-، وبهذا المبلغ تستطيع شراء أي سلعة تريدها من شخص آخر؛ هذا يعني أنه بدلًا من أن نظام مقايضة سلعة تحتاجها بأخرى تريد بيعها كما في الماضي صار بإمكانك أن تبيع سلعتك مقابل النقود ثم تشتر ما تريد بتلك النقود.
الأمر بسيط للغاية، فكما ترون النقود هي التي تترجم قيمة السلع، كلما كانت السلعة ذات قيمة أكبر؛ كلما تم شراؤها بمبلغ أكبر. على سبيل المثال: كيلو جرام من التفاح يحتاج إلى نقود أكبر مما يحتاجه كيلو جرام من البطاطس؛ إذن فقيمة التفاح أكبر من قيمة البطاطس..
” نستخدم بشكل يومي كلمتي المال والنقود؛ لذا سنستخدمهما هنا أيضًا للمزيد من التبسيط والتوضيح.”
السوق
عندما تحدثنا سابقًا عن الأسواق –مقال سابق (نفس الملاحظة)- ذكرنا أن لكل سلعة سوق معين؛ فالخضر في سوق الخضر والملابس في سوق الملابس وهكذا…أوليس من المنطقي أن يكون للعملة سوقًا أيضًا باعتبارها سلعة؟
نعم، هذا صحيح، لكن سوق العملة ليس كأي سوق فله مميزات مختلفة، مثل:
- هو سوق غير محدد بمكان شأنه شأن البورصة، فلست بحاجة للذهاب إلى مكان معين لبيع أو شراء أسهم فبإمكانك أن تشتريها من شركة مالية أو من بنك خاص أو حتى من حاسوبك الخاص.
- هو سوق عالمي، غير محدد بدولة معينة، تباع فيه كل العملات المختلفة فبإمكانك شراء الدولار الأمريكي من الصين، والجنيه المصري من البرازيل.
“غالبًا مايطلق على هذا السوق (الفوركس) : FOreign EXchange market “
السعر
إذا كانت العملة عبارة عن سلعة تستخدم لتحديد أسعار السلع الأخرى؛ فمن المنطقي أن نتساءل عن كيفية تحديد سعر العملة نفسها، أمر محير! أليس كذلك؟
ببساطة شديدة، يتم تحديد سعر العملة عن طريق العملات الأخرى.
كيف ذلك؟
لنأخذ مثالًا بسيطًا، إذا قلنا أن سعر كتاب معين هو 10 دولارات فما هو سعر الدولار الواحد؟
سؤال منطقي جدًا لكن به خلل بسيط، فالدولار ليس له سعر واحد، بل له أسعار متعددة، كيف ذلك؟
بما أن العملة يتم تحديدها عن طريق أسعار العملات الأخرى؛ فلنعد صياغة السؤال بشكل مختلف؛ ما هي قيمة الدولار الواحد؟
يعتمد ذلك على العملة التي تريد شراءه بها؛ فالدولار الواحد يساوي 6.5 يوان صيني؛ أي أن قيمة الدولار أعلى ست مرات من قيمة اليوان الصيني.
وإن أردت أن تشتري الدولار بالعملة المكسيكية؛ فأنت تحتاج إلى 18 بيساو، وإن أردت أن تشتري الدولار بعملة الاتحاد الأوربي (اليورو) فستحتاج إلى 0.9يورو أي أقل من يورو واحد.
بالتالي يكون للدولار سعر خاص بكل عملة، والأمر ينطبق على الجنيه المصري؛ فسعر الجنيه المصري يختلف من عملة لأخرى، لكنه غالبًا ما يتم تقييمه بالدولار الأمريكي، لم؟
أنظمة الصرف
لنجيب عن هذا السؤال، يجب أولًا أن نجيب على السؤال التالي: كيف تحدد كل دولة قيمة عملتها مقارنة بقيمة العملات الأخرى؟
في البداية يجب أن نعلم أن كل دولة لديها نظام صرف معين يعطي الأسس والقواعد التي تحكم قيمة عملتها، هذا النظام هو الذي يحدد كيف يتم تقييم العملة الوطنية وكيف يمكن أن تتغير ) ترتفع أو تنخفض( قيمتها؛ لذا فإذا أردنا أن نفهم تغير قيمة عملة دولة ما يجب علينا أولا أن نعرف ما هو نظام الصرف الذي تستخدمه هذه الدولة.
نظمة الصرف كثيرة و متعددة لكن يبقى أشهرها وأهمها نظامين: النظام الثابت والنظام المرن (أو العائم كما يصطلح عليه) حيث تختار كل دولة النظام الذي يناسبها وتضع الأسس التي سوف تُبنى عليها قيمة عملتها.
أولا: النظام الثابت:
وهو نظام يعتمد على ربط قيمة العملة المحلية بعملة أجنبية أو سلة من العملات.
أمثلة:
– قيمة الجنيه المصري مرتبطة بالدولار الأمريكي و قيمة الدرهم المغربي مرتبطة بسلة من العملات مكونة من عملتين (اليورو بنسبة 80% و الدولار بنسبة 20%)
يعود اختيار العملة الأجنبية التي سترتبط بها العملة المحلية إلى البنك المركزي، وبعد اختيار العملة التي سيتم ربطها بالعملة المحلية يقوم البنك المركزي باختيار سعر الصرف الأساسي ونسبة معينة يمكن أن يتغير فيها هذا السعر.
مثال: اختار البنك المركزي لدولة ما الدولار كعملة أجنبية ثم قام بربط عملته المحلية بالدولار وقام باختيار سعر الصرف الأساسي 10 جنيهات؛ فإن أردت أن تشتري دولارًا واحدًا بعملة هذه الدولة فعليك أن تبادله ب10 جنيهات، وإن أردت أن تشتري 10 دولارات فيجب عليك دفع 100 جنيه و هكذا..
وأخيرا اختار نسبة 10 في المئة ليتحرك فيها سعر صرف عملته؛ إذن يمكن للبنك المركزي أن يُزيد من قيمة الجنيه ب10 في المئة حيت تصبح 10,1 جنيها أو ينقص قيمة الجنيه بنفس النسبة لتصبح 9,9 جنيها بكل حرية و متى أراد ذلك.
في هذا النظام تكون مسؤولية الحفاظ على قيمة العملة في الإطار المحدد (بين 10,1 و 9,9 كما في المثال السابق) موكلة إلى البنك المركزي، حيث يلتزم هذا الأخير بالحفاظ على سعر الصرف الرئيسي مستعملًا احتياطه من العملات الأجنبية عن طريق عمليات البيع والشراء في سوق النقد العالمي فالعملة مثلها مثل أي سلعة أخرى تخضع لقانون العرض و الطلب.
توضيح: عندما تزيد الكمية المعروضة من الجنيه في السوق النقدي تنخفض قيمة الجنيه؛ لذا يلجأ البنك المركزي لامتصاص الكمية الزائدة في السوق عن طريق شراء الجنيه باستعمال احتياطاته من العملات الأجنبية.
ثانيا: النظام المرن أو العائم:
عكس النظام الثابت؛ فلا يتدخل البنك المركزي في تحديد سعر صرف العملة المحلية وبالتالي يتغير سعر صرف هذه العملة بحرية حسب العرض والطلب عليها في سوق النقد العالمي.
توضيح : إذا ارتفع الطلب على العملة المحلية في سوق النقد العالمي ترتفع قيمة العملة وبالتالي يرتفع سعر الصرف (والعكس صحيح) وإذا ارتفع عرض العملة المحلية في سوق النقد العالمي تنخفض قيمة العملة وبالتالي ينخفض سعر صرفها (والعكس صحيح أيضا)
توضيح: إذا ارتفع الطلب على العملة المحلية في سوق النقد العالمي ترتفع قيمة العملة وبالتالي يرتفع سعر الصرف (والعكس صحيح) وإذا ارتفع عرض العملة المحلية في سوق النقد العالمي تنخفض قيمة العملة وبالتالي ينخفض سعر صرفها (والعكس صحيح أيضا)
في كلا النظامين؛ الثابت والمتغير، توجد عدة أنظمة فرعية لها تفاصيل محددة تختارها كل دولة لكن يبقى المبدأ ثابتًا كما وضحنا في هذا المقال.
ماذا عن الجنيه المصري؟
هل سمعت يومًا أحدًا يتكلم عن تعويم الجنيه؟
هذا يعني أنه ببساطة؛ نقل النظام النقدي المصري من النظام الثابت إلى النظام المرن، فيقوم البنك المركزي المصري برفع يده عن التدخل في تحديد سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.
فالنظام النقدي المصري حاليًا هو نظام حر يرتبط فيه الجنيه المصري كليًا بالدولار الأمريكي، كما يُشير إلى ذلك الموقع الرسمي للهيئة المصرية العامة للاستعلامات
“ظل الجنيه المصري مرتبطًا بالجنيه الاسترليني حتى عام 1962، حيث تم ربط الجنيه بـالدولار الأمريكي عند مستوى 2.3 دولارًا لكل جنيه مصري، ثم تغير سعر الصرف في عام 1973 إلى 2.555 دولارًا لكل جنيه مصري بعد انهيار الدولار بعد حرب أكتوبر، وفي عام 1978 تغير سعر الصرف إلى 1.428 دولارًا لكل جنيه مصري (1 دولار = 0.7 جنيها مصريًا) وذلك بعد انخفاض قيمة الجنيه المصري، وتم تعويم الجنيه جزئيا العام 1989 بحيث أصبح الدولار = 3.3 جنيهًا، إلا أن البنك المركزي كان مسيطرًا على الصرف الأجنبي بحيث يحافظ على قيمة شبه ثابتة للجنيه، إلى أن تم تعويم الجنيه بشكل كامل في العام 2003. فشهد تراجعًا بقيمته ليصل إلى حدود 5.50 جنيه. وبعد ثورة 25 يناير وما تلاها من تراجع في الأداء الاقتصادي والمالي، واصل الدولار ارتفاعه أمام الجنيه ليسجل مستويات قياسية لم يحققها من قبل بعدما وصل إلى 6.19 جنيه، في ظل تراجع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية الذي بلغ في نهاية عام 2012 نحو 15 مليار”
الخلاصة
يمكننا اعتبار الجنيه المصري سلعة (عملة)، لها سعر محدد (سعر الصرف) يتم تداولها في سوق خاص (سوق النقد العالمي) بأسس وقواعد يحددها نظام معين (نظام الصرف المرن).
والآن، بعد أن ألممنا بالأساسيات، بقي لنا أن نعرف الأسباب الحقيقية وراء انهيار قيمة الجنيه المصري وما الذي ترتب على ذلك وكيف نتعامل معه، وسيكون هذا موضوع مقالنا القادم يإذن الله، فانتظرونا…