أقلام اقتصادية

ثورة الذهب الأسود

(وباء – هبوط – سقوط ا – انهيار – إفلاس – تراجع – أدنى مستوى – أعباء – عجز)

ارتبطت هذه الكلمات بشكل مباشر أو غير مباشر خلال 2015 بالنفط، وذلك إما عن طريق الحديث عن الخام نفسه أو عن الآثار التي سببها، حيث كان هذا العام وبلا منازع عام وباء نفطي أصاب العالم، فبعد هبوط أسعار النفط إلى أدني مستوى في أكثر من 11 عامًا، سقطت موازنات، وانهارت شركات، وتراجعت أخرى، وأضيفت أعباء جديدة على عاهل الاقتصاديين، وعجز متفاقم أرعب الحكومات، لذا تستحق 2015 لقب ثورة الذهب الأسود بجدارة.

ولكن ضد من ولصالح من ثار النفط !.. تلك الثورة في الحقيقة لم تكن عادية فقد ثار النفط بقيادة أصحابه وفي نفس الوقت ضد أصحابه ولكن كيف؟!.. قبل أن نقول كيف يجب أن نعرف أن ما حدث منذ 2014 وحتى الآن ما هو إلا لعبة عرض وطلب لا أكثر، لذلك نجد أن جملة “تخمة المعروض” هي الأكثر تكررًا في الآونة الأخيرة.

هذه التخمة اشترك في صناعتها أطرافًا عدة بقيادة (أوبك) وبتحريك سعودي أولًا، وخطوات كبيرة من الدب الروسي ثانيًا، ولمسات إيرانية لا تخلو من إثارة الوضع ثالثًا، وكل هؤلاء يسبقهم من خلف الستار تارة ومن أمامه تارة أخرى الولايات المتحدة الأمريكية، ونتيجة هذه التخمة نشط الوباء بشكل واسع خلال 2015.

الخسائر ليست ملايين أو حتى مليارات ولكن الخسائر قدرت بتريليونات الدولارات، فالتحديات وبلا شك كبيرة وصناع السياسات في مأزق كبير وخاصة على مستوى الخليج، فقد تراجعت أسعار الخام بنحو ثلثي قيمتها منذ منتصف 2014، ويتراوح الفائض العالمي بين نصف مليون ومليوني برميل يوميًا.

وقد استمرت “أوبك” في ضخ كميات كبيرة من الخام في 2015 خوفًا على حصتها السوقية، في ظل الإنتاج القياسي لروسيا والمنافسة الشرسة مع النفط الصخري، بالإضافة إلى توجه إيران إلى زيادة صادراتها النفطية بعد رفع العقوبات عنها مطلع العام القادم، وفي ظل قرار واشنطن برفع الحظر المفروض منذ 40 عامًا على تصدير النفط إلى خارج الولايات المتحدة، الأمر الذي يزيد الوباء ويعقد الأزمة.

لكن لماذا السقوط الحاد للنفط هذا العام؟ لماذا لم يسقط الخام بهذه النسبة في 2014؟!.. كان الوضع في العام الماضي مختلفًا بعض الشيء فرغم زيادة الإنتاج إلا أن الطلب على الخام لم يشهد تراجعًا، ولكن 2015 قد شهد تراجعًا بالطلب العالمي على الخام، وخاصة على مستوى التنين الصيني؛ الذي يعد أحد محركات النمو الاقتصادي العالمي، فقد شهد الاقتصاد الصيني نموًا أقل من 7%، لتتراجع الصين عن الهند، منافستها الرئيسية في آسيا.

السعودية (محور الثورة في هذا العام) في موقف لا تحسد عليه فكل التقديرات أشارت إلى أن المملكة هي من قادت الحرب من البداية ضد روسيا وإيران ولإبعاد النفط الصخري عن طريقها، ومنذ البداية أيضًا وأنا أتساءل إلى أي مدى تستطيع أن تصمد؟ .. الموقف الآن حرج بلا شك فالمعركة لا زالت طويلة والمملكة تواجه حاليًا عجزًا قياسيًا في الموازنة المالية، الأمر الذي جعلها ترفع راية التقشف في وجه مواطنيها، حيث رفعت أسعارَ الكهرباء والمياه والبنزين بنسبة وصلت إلى 67%.

عاصمة النفط كانت محط الأنظار في 2015 فهي تشارك في حربين ضروستين سواءٌ في اليمن ،ويمكن أن تكون هي الأسهل، ولكنها تستنزف الكثير، والحرب الثانية وهي الحرب النفطية وهي الأصعب، فأمريكا هي الأخرى تضرب وبشدة والسعودية تتلقى الضربات ومستمرة في السياسة التي بدأتها ،ورغم أن الروس والإيرانيين هما المستهدفين ولكن نزيف المملكة أكبر بكثير.

من جانبها شددت أمريكا الخناق أكثر؛ فالكونجرس وافق على رفع الحظر المفروض على تصدير النفط الأمريكي لأول مرة منذ 40 عامًا، هذا الحظر يعود إلى صدمة النفط الأولى عام 1973، وبالطبع هذا القرار لا يحمل الجوانب الطيبة المعلنة من حيث الأهداف للحد من انبعاثات تأثير الاحتباس الحراري وفقط، ولكن جوانبه الأخرى تشعل الثورة النفطية أكثر، فهذا القرار يُوقع السعودية في الفخ الذي نصبته.

يدور بأذهان البعض أننا نقترب بشدة من النهاية أي نهاية النفط، حيث أن هناك معطيات كثيرة تدعم هذه المخاوف فالتكنولوجيات الجديدة لإنتاج الطاقة الخضراء واتفاق باريس للمناخ للحد من إنتاج النفط على المدى الطويل، تقول أن النهاية تقترب في ظل توقعات تفترض دوام تراجع أسعار النفط، ولكن من سيدفع فاتورة النهاية الذي ستأتي لا محالة قريبة كانت أم بعيدة ؟!

الثورات دائمًا تحمل رابحين وخاسرين، وحيث أن 2015 شهدت ذروة هذه الثورة نجد أن الجانب الإيجابي في هبوط أسعار النفط هو أن العديد من مستهلكي الخام في الثوراتُ دائمًا جميع أنحاء العالم وجدوه أرخص بشكل ملحوظ (الرابحون)، في حين تواجه الدول المنتجة للخام، تواجه عاصفة من المشاكل الاقتصادية في ظل تراجع الأسعار (الخاسرون).

ونجد أن منطقة اليورو وبريطانيا في مقدمة معسكر الرابحين، الصين أيضًا في نفس المعسكر ولكن الآثار لم تكن ملموسة أو ظاهرة لأسباب أخرى تكمن في التباطؤ الاقتصادي التي تعرضت له بكين بشكل متفاقم في 2015، اليابان هي الأخرى التي تعتمد بشكل كامل تقريبًا على النفط المستورد مستفيدة، ومن ناحية أخرى استغلت الهند ومصر وإندونيسيا وتركيا، هذه الفرصة وقامت بخفض الدعم عن المشتقات النفطية.

أمريكا (رأس الأفعى بالثورة) من ناحيتها جنت انعكاسات إيجابية من انخفاض أسعار النفط وذلك بالرغم من إفلاس بعض الشركات ولكن الاقتصاد الأمريكي شهد مؤشرات جيدة فالولايات المتحدة مستورد خالص للنفط، وللحق فإن أمريكا تلعب بحرفية شديدة وتستخدم التوقعات لمصلحتها بشكل غريب ،ولكن الأغرب هو الاندفاع خلف توقعاتها الغير بريئة النوايا.

في الختام دعوني أستحضر فقرتين ختمت بهما مقالًا لي في “14 أبريل 2015” بعنوان (الصراع النفطي .. من سيدفع الثمن؟!)، حيث قلتُ: “إن إيران وروسيا بات لهما ثأرًا مع السعودية المنهكة في حرب تستنزف مواردها، فيما تكسب إيران حلفاءً أقوياء وتدعم اقتصادها باتفاقات سواء مع تركيا والصين وحتى بعض العرب المحتاجين لغاز طهران والتي من شأنها _ الاتفاقيات _ أن تغير الخريطة الاقتصادية للمنطقة وتسحب البساط من تحت أقدام الخليج”.

“سيستمر الصراع داخل الشرق الأوسط وخارجه، وسيستمر أيضًا الرابحون في زيادة أرباحهم بقيادة أمريكا والصين وأوروبا، وستتضاعف خسائر الخليج من اتجاهين، الأول: الخسائر المادية من خلال فروق الأسعار، والثاني: تبديد المخزونات النفطية لمصلحة الغرب” لكن ربما تحدث صدمه اقتصادية عالمية تقلب الأوضاع، من يدري؟َ!

أحمد طلب

صحفي مصري متخصص في الشأن الاقتصادي

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى