لا يهم أن تكون إسلامياً, أو ليبيرالياً, أو يسارياً, ما لم تستطع تطبيق أفكارك على أرض الواقع.
قد تكون مناقشة الأيديولوجيات مناقشةً فكريةً أمراً مثيراً للفضول ومنشطًاً للفكر. لكن الحكم على هذا الفكر أو ذاك لا يحسمه إلا التطبيق على الواقع.
إذا كنت من المناصرين للطبقات الإجتماعية الأكثر تهميشًا فقد تبدوا لك نظرية كارل ماركس الإقتصادية مقنعة جدًا وقد تذهل عندما تقرأ الأجزاء الثلاتة من كتاب رأس المال، لكن المحك الحقيقيّ هو مدى قابلية نظريته الإقتصادية للتطبيق الشيء الذي حكمت عليه تجربة تطبيق نظريته الإقتصادية في الإتحاد السوفياتي.
وقد تبدوا كلمات ميلتون فريدمان في كتابه الرأسمالية والحرية براقةً جدًا لكن حكمك عليها سيتغير بالتأكيد عند قراءتك عن كيفية تطبيقها في دول أمريكا الجنوبية – في كتاب كـعقيدة الصدمة – حيث جاءت الرأسمالية على ظهر دبابة!
ففي عالم مليئ بالنظريات الاقتصادية تبقى نظرة الإسلام للإقتصاد هي الأكثر توازنًا ومراعاةً للجانب الإجتماعي بلا إفراط أو تفريط. لكن للأسف rإن أسس الإقتصاد الإسلامي- إذا جاز لنا إستعمال هذا التعبير- هي أقل النظريات الإقتصادية رواجًا في الأوساط الأكاديمية حاليًا وذلك بسبب عجزنا عن تقديمها بطريقة تناسب عصرنا مستعينين بأدوات التحليل الإقتصاد الحديث. و لأنها تحمل أبعادا لا تناسب المزاج العام في الظرف الحالي.
إننا اليوم في أمس الحاجة إلى نظرة معتدلة للإنسان. نظرة تحقق حاجياته وتمكنه من تلبية رغباته بدون المساس بحق أخيه الإنسان، رؤية تعترف بحقه وبحريته مع الأخذ في الحسبان حقوق وحريات الآخرين.
إننا نحتاج نظاما جديدًا وراقيًا، أصيلا في مبادئه، مبتكرًا في وسائله، يحفظ حق الإنسان ويتناسب مع فطرته بدون إفراطٍ ولا تفريط. فإن النظام الإقتصادي الرأسمالي الذي نعيش تحت وطأته بني على أساس القوة لا على الحق. بني لكي ينتصر الأقوياء ولكي يستعبد الغني الفقير ليغتنى أكثر بل وليزداد غنى. في حين يحرص على أن يستمر الفقير في فقره بل و أن يزداد فقرا!
إنها العبودية، في شكلها الجديد. عبودية يجب أن تسقط بأي ثمن ليتحرر الإنسان من سلطة الجشع ومن جشع السلطة. وبعد أن تنهي معاول الهدم مهمتها؛ يجب أن يكون النظام الجديد جاهزًا ليحل محل القديم، كي لا نخلف فجوة يتسرب من خلالها النظام القديم بأي حيلة وبأي شكل جديد.
نظامًا قائمًا على الحق؛ حق الإنسان في تلبية حاجاته ورغباته، وحقه في العدل ومساوات الفرص. العدل في توزيع الثروةحسب قدراته على البذل والعطاء.