المقدمة
عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، عاش المصرون والعرب معًا حلمًا جميلًا، و ذلك لشعرونا بأننا بدأنا أول خطوة نحو العيش الكريم، سائرين في طريق الحرية والعدالة الاجتماعية. ثم بدأت الأنظمةُ المتعاقبة التي توَّلت حكم مصر منذ ثورة يناير و حتى الآن تعمل ساعية نحو تحقيق هذا الحلم الجميل، و ذلك بالقيام بعدة إصلاحات؛ في محاولة منها لترميم ما أحدثته الأنظمة السابقة على الثورة.
ومن جملة هذه الإصلاحات كانت الإصلاحات الاقتصادية فهي الأجدر بالاهتمام، إذ أنها تُساهم في حلِّ كثير من المشاكل الحياتية التي يواجهها الشعب. فبدأت جميع الأنظمة التي حكمت تسير في طريق الإصلاحات الاقتصادية، و لكن هذه طُرق هي نفسها التي سلكها النظام السابق خطوة بخطوة.
فبدؤوا يبحثون عن طريقة لزيادة الموارد المالية للبلاد، فلم يجدوا إلا طريق الديون! فساروا فيه بل وأمْعنوا فيه السير أكثر من النظام السابق، فتراكم الدين الخارجي والمحلي، وصار بمثابة الجبال الجليدية و التي وعندما تذوب ستُغرق الجميع.
أحدثت هذه الديون ضُغوطًا على الميزانية، وزادت في العجز الموجود سابقًا، حتى أضحت قضية الدين العام مشكلة وليست أزمة فحسب.
ولما أصبح الدين العام المصري أزمة تواجه الاقتصاد، تناولناها بشيءٍ من التفصيل.
فما هو الدين العام وما أنواعه؟
– الدين العام
هو أداةٌ من أدوات تمويل عجز الميزانية، تلجأ إليه الدولة لتمويل نفقاتها العامة؛ عندما تعجز عن توفير إيرادات أخرى، لا سيما من الضرائب، فتقترض إما من الأفراد أو الهيئات المحلية أو الدولية أو من الدول الأجنبية.
– أنواع الدين العام :
1- الدين المحلي :
هو مجموع ما تحصل عليه الدول من الأشخاص الطبيعين أو الاعتباريين ممن يعيشون على أرضها بغض النظر عن جنسياتهم.
2 – الدين الخارجي :
هو مجموع ما تحصل عليه الدولة من الدول الأجنبية أو من شخص طبيعي أو اعتباري مقيم خارج البلاد.
و عرّفه البنك الدولي بأنه ” مبلغ الديون المستحقة لغير المقيمين في الدولة، والقابلة للسداد بالعملة الصعبة، أو من خلال السلع والخدمات “
و تلجئ الدولة للاقتراض بنوعيه – المحلي و الخارجي – عندما يصبح جانبُ الإيرادات أقل من جانب النفقات، أي عندما يكون هناك عجزٌ في موازنة الدولة.
و كلا النوعين من الديون توسعت فيهما الحكومات التي تولت حكم مصر بعد ثورة يناير كما سيأتي.
ديون مصر قبل 25 يناير إلى يونيو 2011
أولًا: الدين المحلي :
بلغ رصيد الدين العام المحلي 1044.9 مليار جنيهًا في نهاية يونيو 2011 و هو ما يعادل 76.2 % من الناتج المحلي الإجمالي.
ثانيًا: الدين الخارجي :
بلغ الدين الخارجي 34.9 مليار دولار، وأعباء خدمة الدين قد ارتفعت إلى 2.8 مليار دولار.
و ينقسم الدين الخارجي إلى قسمين
1 – ” ديون رسمية ” و بلغت قيمته 33 مليار دولار أي ما يعادل نسبة 94.5 % من إجمالي الدين الخارجي
2 – ” قطاع خاص ” و بلغت قيمته 1.9 مليار دولار أي ما يعادل 5.5 % من الإجمالي ،
كما وصلت أعباء خدمة الدين الخارجي ( متوسط و طويل الأجل ) 2.8 مليار دولار.
الرسم البياني التالي يوضح أن الدولار الأمريكي يستحوذ على النصيب الأكبر من العمولات المقترضة؛ ويرجع السبب في ذلك كما بين تقرير البنك المركزي أن بعض القروض تُسدد بالدولار الأمريكي حتى وإن لم تكن الديون أمريكية.
و يبين الرسم البياني التالي أيضًا تركيبة الدين الخاجي المصري، و يتضح أن النسبة الكبيرة للديون الخارجية لصالح أهم دول في نادي باريس و هي (اليابان 12.2% وألمانيا 11 % وفرنسا 10.7 % والولايات المتحدة 9 %).
ديون ما بعد سنة الثورة من 2012 إلى مارس 2016
أولًا: الدين المحلي
ظلت سياسة التوسع في الاقتراض من الخارج هي المسيطرة على مَن يتولى الاصلاحات الاقتصادية في البلاد، وكانت الديون الخارجية بعد 2011 إلى مارس 2016 كما يتضح من الرسم البياني الآتي والذي يبين أن الدين العام المحلي قفز بعد الثورة ليصل في مارس 2016 إلى 2495.5 مليار جنيهًا، ليصل إلى نسبة 88.1 % من إجمالي الناتج القومي بعد أن كان في نهاية السنة المالية 2011 مبلغ 1044.9 مليار جنيه ونسبة 76.2 % من الناتج القومي ليحقق في أربع سنوات ما يزيد عن ضعف المبلغ المسجل في سنة الثورة.
أسباب الزيادة الكبيرة في الدين المحلي
1 – التمادي في سياسة إصدار أذونات وسندات الخزانة من أجل علاج عجز الموازنة بالدين حيث ارتفعت في مارس 2016 أذون وسندات الخزانة 2222517 مليون جنيه في حين أنه كانت أنه كان في سنة 2012 مبلغ 1078162 مليون جنيهًا.
2 – من أهم الأسباب التي تلجئ الدولة بسببها إلى الاستدانة هو عجز الموازنة -انخفاض الإيرادات عن النفقات- المتزايد كل عام حتى أنه صار الاستدانة من أجل سداد الدين بل من أجل سداد خدمة الدين -الفوائد- ففي كشف البيان المالي لمشروع الموازنة 2016- 2017 الفوائد على الدين العام وصلت إلى 292.520 مليون جنيه وتمثل نسبة 31.2% من إجمالي المصروفات.
ثانيًا: الدين الخارجي
وكذلك كان الحال بالنسبة للديون الخارجية فقد زادت في الجبل المتراكم على الميزانية وتعاقب الحكومات في الاستدانة الخارجية كما هو موضح في الرسم البياني الآتي، حيث بلغ الدين الخارجي في مارس 2016 مبلغ 53.445 مليار دولار بزيادة بنسبة 11.2% عن السنة السابقة ويعادل نسبة 16.5% من قيمة الناتج المحلي وهذا أكبر قيمة ليصل إليه الدين العام الخارجي في تاريخ مصر.
- بلغ نصيب الفرد من الدين الخارجي 549.3 مليون دولار في مارس 2016
- وبعد أن زادت نسبة الديون وزادت قيمة خدماتها صارت الحكومة تلجئ إلى الإستدانة لأجل سداد الديون القديمة وخدماتها كما في قرض صندوق النقد الدولي فإنه بالأساس لسداد قسط و فوائد دين نادي باريس.
- وإضافة إلى الدين الخارجي المسجل في مارس 2016 بمبلغ 53.445 فإن قروضًا أخرى في طريقها للدخول إلى الخزينة المصرية لتزيد من جبل الجليد الذي يوشك على الذوبان وإذا ذاب فسيُغرِق الجميع.
وكل هذه ديون ستتحملها الأجيال القادمة وتزيد في جبل الجليد الذي ينمو كل يوم عن طريق أقساط الدين و فوائده والتي لم ير المواطن البسيط أي فائدة منها، حتى أن المشاريع العملاقة إلى الآن لم نرَ بادرة أمل تدل على أنها ستُدِرُ خيرًا في القريب على الوطن.
أثار تضخم ” جبل الجليد ” الدين العام المصري:
1 – استخدام الدين العام لتمويل عجز الموازنة يؤدي إلى زيادة أعباء خدمة الدين وهذا يؤدي إلى زيادة عجز الموازنة من عام لآخر.
2 – الدين الخارجي يمثل أداة من أدوات تمويل العجز الميزانية وهو بدوره يقلل من عجز الموازنة، إذا تم استخدامه في هذا الغرض في حين أقساط فوائد الدين تمثل عبء على الموازنة؛ وهو ما يزيد من أزمة سعر الصرف كما هي في الفترة الآخيرة حتى أن الدولة عاجزة عن التصرف في سعر الصرف.
3 – يمثل الاقتراض أبشع صورة من صور ظلم الأجيال القادمة خاصة في ظل سياسة الاقتراض من أجل سد عجز الموازنة، وليس لأجل إقامة مشروعات استثمارية يمتد نفعها للأجيال القادمة.
4 – تراكم أقساط الديون من غير سداد وهو الأمر المتوقع بسبب ضخامتها يؤدي إلى لجوء الحكومات إلى جدولة الديون بنسب مرتفعة مما يؤدي إلى تضخم الديون أكثر وأكثر.