السوق التنافسي الحر … حقيقة أم خيال
لكلٍ منا تصور عن النعيم، ذلك المكان المثالي الذي نحلم أن نعيش فيه. نفس الأمر ينطبق على علماء الاقتصاد، فلكل منهم تصور للاقتصاد المثالي الذي سيجلب الخير و السعادة للبشرية جمعاء.
اليوم سنتكلم عن نموذج السوق المثالي الذي يعتبره العديد من الاقتصاديين بمثابة الفردوس الأرضي. يطلق على هذا السوق: سوق المنافسة الكاملة أو السوق التنافسي التام. هذا السوق يجب أن تتوافر فيه خصائص محددة و دقيقة تجعله مثاليًا من جوانب عديدة، حيث يتحرك السعر بحرية تامة عبر آلية العرض و الطلب دون تدخل من أحد، مما يُمكن الفاعلين الاقتصاديين من إتمام صفقاتهم بحرية ودون أية عوائق تجعل بعضهم يسيطر على الاقتصاد دون البعض الآخر، حيث يكون قانون السوق الأسمى هو العرض و الطلب، والحكم الأكبر بين البائعين والمشترين هو السعر.
ولفهم هذا السوق بشكل أفضل، نحتاج للتعرف على خصائصه كل على حدة:
أولاً: الذَّرِيَّة
أي أن الفاعلين في هذا السوق (البائعون والمشترون)، صغار الحجم كثيروا العدد (من هنا جاءت تسمية الخاصية) ، بتعبير آخر: فإن السوق يجب أن يحتوي على عدد كبير من البائعين (العارضين/المنتجين للسلع والخدمات)، وكذلك عدد كبير من المشترين (الطالبين/المستهلكين للسلع والخدمات)، بحجم متساوٍ تقريبًا، أي ألا تكون في السوق شركة كبيرة جدًا (أو تحالف شركات) تنتج أغلب ما يحتاجه الناس من سلعة ما، وألا يكون هناك مشترٍ كبيرٍ جدًا يشتري أغلب الإنتاج من سلعة ما.
وهذا يحقق مزايا عديدة:
فأن يكون هناك عدد كبير جدًا من المشترين والبائعين، يعني أن يكون حجم كل منهم صغير جدًا فلا يمكن لأي منهم التأثير على السعر.
فتصور معي أن هناك – مثلًا – شركة تنتج أغلب الكمية التي يحتاجها الناس من سلعة ما، أليس هذا يمنحها قدرة على رفع السعر بشكل غير عادل؟ ثم تصور معي مشتريًا يشتري أغلب إنتاج الشركات من سلعة ما، أليس هذا يمنحه القدرة على خفض السعر بشكل غير عادل؟
فلنأخذ هذين المثالين البسيطين :
المثال الثاني: تخيل أنك ذهبت في يوم آخر تريد أن تشتري بعض الطماطم؟ ثم وجدت أنك الوحيد في السوق حينها، ألن تفكر في الشراء بثمن زهيد؟
أمر منطقي، أليس كذلك؟ لذا فهذه الخاصية مهمة جدًا في السوق التنافسي؛ حتى لا يتمكن البعض من السيطرة على السعر، يجب أن يكون العارضون و الطالبون كثر و بأحجام نسبية متساوية )أحجام متساوية نسبية لبعضهم البعض(.
ثانيًا: التجانس
نحتاج أن يكون المُنتج المقدم سواء كان سلعة أو خدمة منتج متطابق الخصائص من حيث (الشكل والجودة والتغليف … الخ) _ أو على الأقل هكذا يبدو في نظر المستهلكين _ حيث تعتبر السلع بديلًا تامًا يمكن أن يحل بعضها محل بعض، ما يجعلها متقاربة السعر جدًا.
مثال: إن نوع السلعة (الخضار والفاكهة) متماثل، (فالطماطم) مثلاً تظل طماطمًا مهما اختلف البائع، ربما تختلف درجة طازجيتها مما يغير سعرها، وهنا يكون هذا هو معيار الشراء الوحيد (أي السعر).
ثالثًا: الشفافية
- شفافية ماذا؟
- شفافية المعلومات
- ماذا يعني ذلك ؟
- يعني أن يتمكن الفاعلون الاقتصاديون من الوصول إلى المعلومات الخاصة بالعارضين والبائعين والسلع والأثمنة بسهولة ودون بذل مجهود كبير.
- لماذا يحتاجون هذه المعلومات؟
- لكي يستطيعوا المقارنة بين السلع و أسعارها؛ لكي يستطيعوا اختيار مشترياتهم بدقة.
رابعًا: سهولة الدخول والخروج
أن كون السوق حرًا يعني ألا وجود فيه لأية عوائق أو موانع تحول دون الدخول والانضمام لهذا السوق، سواءٌ كأحد البائعين أو المشترين مما يوفر الحرية التامة في الدخول أو الخروج من السوق متى لزم الأمر، فالحرية الاقتصادية هي القيمة الأسمى في السوق التنافسي.
كانت هذه هي الخصائص الأربع التي تميز هذا السوق المنشود، لكن السؤال الأكبر هو: هل يمكن تحقيق هذه الشروط مجتمعة و الوصول إلى الحالة المثالية التي ينشدها الاقتصاديون؟ هذا ما سنعرفه في المقال القادم، بإذن الله.