يا عمال العالم اتحدوا! … النظرية الشيوعية والنقد الماركسي للرأسمالية
النقد الماركسي للرأسمالية : سجال فكري – قديمًا كان صناديد الفرسان يلتقون بسيوفهم في مبارزات تتوقف عندها لحظات الزمان ودقات القلوب، ولا يُسمع في المكان سوى أصوات مقارعة الحديد بعضه بعضًا. وفي تاريخ الفكر صولاتٌ وجولات بين فرسان الاقتصاد تتقارع فيها أفكارهم حتى لو غيَّب التراب أجسادهم، يسجلُ الاقتصادي أفكاره ويصوغ نظرياته التي يراها حلًا لمشكلات واقع يحياه. ثم تمر السنون ويتغير الواقع فتجمد النظريات عن مواكبته، ليحاكم الاقتصاديون أسلافهم محاكمة فكرية لا ترحم ليكون البقاء للنظرية الأقوى والأصلح، أو هكذا نأمل.
شهد آدم سميث بدايات التحول من عصور الزراعة إلى الصناعة، ورغم أنه لم يشاهد جانبًا كبيرًا من الثورة الصناعية من مصانع كبيرة ومدن صناعية وأفواجٍ من العمال ورجال الصناعة السياسيين؛ فالجزءُ الأكبر من التطور كان بعد إنهائه لكتابه «ثروات الأمم» إلا أنه كان بمثابة المُبشِّر بالثورة الصناعية والنعيم الذي ستجلبه للجميع، أو هكذا كان يأمل وهو يشاهد بأم عينه إرهاصات حدوثها.
بعد ثلاثة أرباع قرن من نشر سميث سفره الأعظم جاء كارل ماركس (1818- 1883) ناقمًا على ما أحدثته الثورة الصناعية من آثار اجتماعية شديدة القسوة، منتقدًا للسلطة التي منحتها لمُلَّاك وسائل الإنتاج ومعترضًا على طريقة توزيع كعكة الأرباح والأجور، والتي جعلت أغنياء الرأسماليين يزدادون غنى بينما يغرق العمال في فقر مدقع.
جاء كارل ماركس ليحاكم الأب الروحي للرأسمالية في صورة أفكاره، فقد كانت تساؤلات سميث حول القيمة (الأسعار) والتوزيع (مَن يحصل على الدخل؟) مِن أهم القضايا التي أولاها اهتمامه، فمن يحدد أجر العمال؟ وكيف تتحدد مكافآت الرأسمالي المسيطر على الإنتاج؟
فبينما اهتم سميث ورفاقه بالإنتاج ومراحله وآلياته، اهتم ماركس بمآلات هذه الآلية وما يجعلها تعيد إنتاج نفسها – عمال فقراء ورأسماليون أغنياء – حيث لا سبيل ليغتني العامل الذي لا يحصل سوى على الفتات الذي يبقيه على قيد الحياة ليذهب إلى العمل كل يوم.
لم يتحدث ماركس من فراغ، فواقع مجتمع الثورة الصناعية نهاية القرن التاسع عشر شهد عيوبًا خطيرة لا يمكن التغاضي عنها:
- الهوة السحيقة بين العمال وأرباب الأعمال الرأسماليين، أجورًا ومستويات معيشة على حدٍ سواء.
- التوزيع غير المتكافئ للسلطة الكامن في النظام الكلاسيكي والمتمثل في قدرة البعض على الهيمنة على النظام الاقتصادي وكسب طاعة الآخرين وما يترتب على ذلك من سعادة ومكانة وربح، مما جعل الرأسماليين ملوكًا على عمال يخضعون لعبودية الوظيفة والأجر الذي يأخذونه من الرأسمالي.
يقوم النظام الاقتصادي الكلاسيكي على افتراض التوازن المستمر الناتج عن قانوني العرض والطلب، فالعلاقات بين صاحب العمل والعامل أو بين عناصر الإنتاج وبعضها (الأرض – رأس المال – العمل) هي علاقات لا تتغير، وإذا حدث تغيير في المعروض من الأيدي العاملة أو رأس المال فإنه لا بد وأن يؤدي إلى وضع توزان جديد؛ فيد السوق الخفية تنظم كل شيء خلف الكواليس، أما اختلال الموازين فما هو إلا أمر طارئ تتكفل آلية السوق بإصلاحه فورًا.
هذا التوازن هو قلب اقتصاد سميث وزملائه من الكلاسيك. فالإنتاج لا يكون إلا باجتماع عنصرين: مال صاحب العمل (الرأسمال: عنصر الإنتاج الأول الذي يمكنه شراء الأرض والآلات والمواد الأولية) وجهد ومهارة العامل (العمل: عنصر الإنتاج الثاني الذي يستخدم الآلات بمهارة لتحويل المواد الأولية إلى السلع التي يقوم صاحب المصنع ببيعها ليجني الأرباح). حيث يملك صاحب العمل المصنع ويستأجر من العامل جزءا من يومه مقابل راتب شهري. هذه علاقة ثابتة لا تتغير مع اضطراب الأسواق وتغيرها، حيث أن آلية السوق المحكومة بقانون العرض والطلب تغير الأسعار لتعيد السوق إلى توازنه.
حيث أن زيادة عدد العمال تجعلهم يتنافسون على الوظائف المتاحة في المصانع، مما تجعل بعضهم يقبل العمل بأجر أقل مما يجعل عملية الإنتاج تحقق ربحا أكبر لصاحب العمل. الأمر الذي قد يحفزه لفتح مصنع جديد يقوم بتوظيف عمال أكثر مما يعيد التوازن إلى السوق.
هكذا فكل اضطراب قد يصيب سوق عوامل الإنتاج سيؤدي إلى تغير في أسعارها فقط بدون المساس بطبيعة العلاقة بين أرباب العمل والعمال.
أما النظرية الاقتصادية الكلاسيكية فلا تهتم سوى بالإنتاج وما يؤثر عليه، وكيفية تحسين مراحل الإنتاج لضمان أكبر قدرٍ ممكن من الربح؟ ويُعدُّ العامل هنا مثل الآلة عاملًا من عوامل الإنتاج المنظم (رأس المال والعمل)، وتتلخص علاقة الرأسمالي معه في البحث عن كيفية تحقيق أكبر استفادة ممكنة منه بجعله ينتج أقصى ما يمكن بأقل تكلفة ممكنة، وبالتالي منحه أقل أجرٍ ممكن، وكل التفاصيل الأخرى لا تهم.
لكنَّ تأثر ماركس بـهيجل جعله في تعارض مع ذلك الافتراض الجوهري للاقتصاد الكلاسيكي الذي دعى إليه آدم سميث ورفاقه، حيث اعتقد أن هناك تغيير، بل ومستمر فيما أسماه “المادية الديالكتيكية” – كما شرحناها في مقالنا عن كارل ماركس – والتوازن الذي تدعيه المدرسة الكلاسيكية ليس نهائيًا في رأيه بل مجرد حدث في تغيير أكبر سيؤدي إلى تغير كامل في العلاقة بين رأس المال والعمل (صاحب العمل والعامل)؛ لذا كان التوزيع غير المتكافئ للدخل والسلطة في النظام الكلاسيكي هو مصدر الثورة الماركسية على الرأسمالية بأسرها.
الثورة الماركسية: دعوة للتمرد على سطوة الرأسماليين
جاءت أفكار ماركس في عصر القوة الرأسمالية التي تدير كل شيء، فكانت فلسفة ماركس ترى أن المنافسة الرأسمالية داخل السوق تجبر أصحاب المصانع على تطوير الإنتاج بشكلٍ متواصل من خلال التوسع في القدرة الإنتاجية (عدد الآلات والعمال) مما يثمر زيادة هائلة في الثروة.
فقد كانت فلسفة ماركس ترى أن المنافسة الرأسمالية داخل السوق تُجبر أصحاب المصانع على تطوير الإنتاج بشكلٍ متواصلٍ من خلال التوسع في عدد الآلات المصانع والعمال ما يثمر عن زيادة هائلة في الثروة. إلا أن لهذا وجه آخر؛ فالتكالب على المكاسب المنتزعة من عرق العمال الأُجراء لا يعني سوى مزيدٍ من الرأسماليين الأغنياء، ومزيدٍ من جماهير غفيرة من العمال البائسين والمضطرين لبيع قوة عملهم من أجل لقمة العيش لتكون النهاية الحتمية لهذا كارثة لا يمكن تجنبها: أزمة الإفراط في الإنتاج.
فقد حذر ماركس من أن المنافسة الرأسمالية ستؤدي حتما إلى إنتاج قدر هائل من السلع يتجاوز ما يستطيع الناس استهلاكه نتيجة للفقر الذي يحيا فيه غالبية العمال والبطالة التي يعيشها ما تبقى منهم. وبالتالي يتراكم المخزون الذي لم يجد من يشتريه وتغلق المصانع، فيجتمع على العمال وحشية استغلال البرجوازيين وقسوة البطالة!
إلى جانب التناقص المستمر في عدد أصحاب رؤوس الأموال، الذين ينتهكون ويحتكرون، تزداد كتلة البؤس والقمع والعبودية والتدهور والاستغلال. ولكن مع هذا أيضًا تنمو ثورة الطبقة العاملة، وهي طبقة متزايدة باستمرار في أعدادها، ومنضبطة ومتحدة، تنظمها آلية عملية الإنتاج الرأسمالي نفسها…. وأخيرًا يصل تركز وسائل الإنتاج في نهاية المطاف إلى نقطة يستحيل على العمال فيها الاستمرار مع النظام الرأسمالي، وينفجر هذا النظام. وتسلب الملكية الخاصة من الرأسمالية رأس المال، المجلد الأول، الفصل 32 – رأس المال
كان ماركس يرى بحتمية انهيار الرأسمالية تحت ما أسماه “الضرورة الحديدية – Iron necessity” كي تظهر الاشتراكية، مستدلًا بانهيار النظام الإقطاعي لكي تظهر الرأسمالية، وتستمد الشيوعية من الرأسمالية أساسها المادي (الثروة تكفي الجميع لكن يحتكرها أصحاب المصانع)، والإنساني (الاضطهاد الذي يتعرض له العمال)، ولكن هذا لم يكن يعني أن التغيير صار في متناول اليد؛ فطبقة البروليتاريا لا تستطيع تحرير البشرية كلها من الاستغلال والقهر إلا إذا طورت كفاحها بحيث يكون شاملاً يستهدف القضاء على جميع أشكال القهر في المجتمع.
وكي تنجح البروليتاريا في الوصول إلى ما تصبو إليه، عليها أن تنظم نفسها تنظيمًا يكتسب طابعًا سياسيًا ودوليًا، لذا لم يحاول الشيوعيون وقف الصراع الطبقي بل حرصوا على تكريسه حتى نهايته في كل مكان، فما دامت هناك طبقية لا بد أن تقوم في المجتمع ثورة، وبالتالي رأى الشيوعين أنه يجب على العمال الاستعداد للثورة التي لا بُدَّ لها من حزبٍ يُنظم عملها.
النقد الماركسي للرأسمالية : رأس المال … ببساطة
أثبت ماركس في كتابه «رأس المال» أن قيمة أي منتج تتحدد من خلال كم العمالة المطلوبة لإنتاجه، فالآلات ليست إلا عملًا سابقًا حُفظ في شكلٍ معدني، حيث شابهت نظرته للقيمة الاقتصادية نظرة سميث وريكاردو رواد المدرسة الكلاسيكية.
فإذا افترضنا أن هناك ثوب استغرق العمال في صنعه 3 ساعات، فهذا يعني أن قيمة الثوب الذي سيستغرقون في صناعته 6 ساعات هي ضعف قيمة الثوب الأول، إذا كان هذا الافتراض صحيحًا فإن الرأسمالي لا يحقق ربحًا إلا إذا سُخِّر العامل، فكيف ذلك؟ هيا بنا نوضح ذلك مفترضين الآتي:
أولاً: يحصل العمال على قيمة مساهمتهم في إنتاج الثوب كاملة: يحصل العمال على أجرٍ مقابل إنتاج الثوب الأول قدره 15جنيهًا (وهي تكلفة إنتاجه)، بينما يحصلون على أجرٍ مقابل إنتاج الثوب الثاني قدره 30 جنيهًا (وهي تكلفة إنتاجه).
ثانيًا: ما يحدد قيمة الثوب (سعره) هو مقدار العمل المبذول فيه: يكون الثوب الأول سعر بيعه هو 15جنيهًا، والثوب الثاني سعر بيعه هو 30 جنيهًا.
هيا نحسب الأرباح التي سيجنيها صاحب المصنع وفقًا للافتراض السابق:
إذن ووفقًا لماركس، لا تتولد أرباح ليجنيها الرأسمالي (البرجوازي) إلا إذا تعدى على حق العمال وقام بتسخيرهم وقهرهم، ففي المثال السابق سيقوم صاحب المصنع بتعديل أجور العمال من خلال قهرهم وأخذ حقهم لتكون كالآتي:
وهنا يخدع الرأسماليون العمال، فبدلًا من أن يدفعوا لهم ما يساوي القيمة التي يضيفونها، يدفعون لهم قوت يومهم فقط بما يسمح لهم بالاستمرار على قيد الحياة والعمل.
يسمي ماركس الآلات رأس المال الثابت، بينما العمالة عنده هي رأس المال المتغير، وعندما تحدث عملية الإنتاج لا بُدَّ أن يتأكد الرأسمالي أن قيمة المنتج النهائي تتجاوز مجموع كل من رأس المال الثابت والمتغير، وهنا يحدث الربح من خلال منح العمال أجورًا أقل من قيمة إنتاجهم، تلك الأموال المنهوبة في رأي ماركس تسمى “فائض القيمة surplus value“، ومن الجدير بالذكر أن مصطلح “معدل الربح “Rate of profitالذي ذكره ماركس في المجلد الثالث من كتابه «رأس المال»، يعني نسبة القيمة الفائضة إلى مجموع رأس المال المتغير والثابت في أي سلعة معينة والتي تشكل ربحًا للرأسمالي.
وبهذا تكون معادلة “معدل الربح” عند ماركس
إذن الأرباح – وفقًا لماركس – تتحقق من السخرة (تسخير العمال لتحقيق فائض قيمة)، ويمكن للرأسمالي أن يزيد من أرباحه إذا نجح في إجبار العمال على العمل لفترات أطول، وكذلك إذا أضاف للقوى العاملة المكونة من الرجال كلًا من النساء والأطفال! وهو عين ما حدث مع مجيء الثورة الصناعية كما ذكرنا.
لماذا لا يتمرد العمال؟ هذا سؤال هام! وإجابته أنه وبكل بساطة إذا رفض العمال الحاليون – في المثال السابق – فإن هناك الكثير من العمال الذين سيقبلون بأجر أقل من 3.34ج/ الساعة نتيجة للبطالة التي تخلقها الرأسمالية في رأي ماركس.
النقد الماركسي للرأسمالية : أربع حجج أساسية
رأى ماركس تناقضات في النظام الكلاسيكي من شأنها أن تؤدي بالرأسمالية حتمًا إلى الزوال والانهيار وكانت له أربع حجج أساسية:
1. انخفاض معدلات الربح وتراكم رأس المال
لأن المنافسة أحد خصائص السوق في النظام الكلاسيكي، فإنها ستجبر الشركات على التوسع في إنتاجها، وكما نعلم فإن زيادة الإنتاج تعني زيادة في عدد العمال، وزيادة عدد العمال تعنى زيادة الطلب على العمالة ونتيجة زيادة الطلب على العمالة ارتفاع الأجور التي يجب أن يتلقاها العمال (قانون الطلب: زيادة الطلب على شيءٍ يعني زيادة في سعره).
وهنا يقع البرجوازيون بين مطرقة المنافسة التي تجبرهم على التغيير والتوسُّع، وسندان أجور العمالة المرتفعة التي ستؤدي إلى تآكل أرباح أصحاب المصانع، فما الحل؟ سيلجأ الرأسماليون إلى زيادة رأس المال الثابت (المعدات والآلات) بدلًا من زيادة رأس المال المتغير (العمال)، ولكن ستحدث مشكلة هنا، فالقيمة المضافة لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال العمال وليس الآلات – راجع ما كتبناه في فقرة رأس المال ببساطة – كذلك إذا نظرنا في معادلة الربح عند ماركس نجد أن هناك علاقة عكسية بين معدل الربح وبين رأس المال الثابت، فإذا أضاف الرأسماليون المزيد من الآلات سيقلل هذا من الأرباح، وإذا لم يضيفوا مزيدًا من الآلات فستخرجهم المنافسة من السوق. الحل الوحيد هو السخرة والمزيد من السخرة للعمال الحاليين. سيلجأ الرأسماليون لرفع سرعة العمل، أو زيادة ساعات العمل، كل ذلك سيستنفذ صبر العمال أكثر وأكثر حتى ينهار النظام الرأسمالي!
2. زيادة تركيز القوة الاقتصادية في أيدي قلة من الرأسماليين
نتيجة هذه المعركة المستمرة في سوق المنافسة سيكون البقاء للأقوى، تلك الشركات الكبرى التي تملك رؤوس أموال ضخمة تُمكِّنها من بيع السلع بسعر أرخص لا يمكن أن تتحمله الشركات الأصغر.
“تنتهي بتحطم الكثير من الرأسماليين الصغار، مع انتهاء جزء من رأسمالهم إلى جيوب المنتصرين”
كارل ماركس في كتاب: “رأس المال” وهو يصف المعارك الدموية الناتجة عن المنافسة
3. الرأسمالية تعني المزيد من الأزمات
اشتُهر قانون (ساي للأسواق) في النظام الكلاسيكي، وهو قانون يقضي بأن إنتاج سلعة في السوق يخلق كمية استهلاك مطابقة لها، أو ببساطة: العرض يخلق الطلب. للمزيد راجع مقال جان بابتيست ساي
ولكن كان لماركس رأي آخر: عندما تحدث المنافسة الشرسة في السوق، سيلجأ الرأسماليون لزيادة الآلات التي تقوم بما كان يقوم به العمال؛ ما يؤدي إلى رفع معدلات البطالة. البديل الوحيد لتعويض الآلات للعمال هو قهر العمال الحاليين وإجبارهم على العمل ساعات أكثر بأجور أقل، وفي الحالتين ماذا ستكون النتيجة؟ إنتاج أكثر (عرض أكثر) لن يستطيع أن يخلق الطلب المقابل له، لماذا؟ لأن العمال (القوة الشرائية) إما في بطالة، أو في قهر الأجور المتدنية، وبالتالي يبقى الإنتاج راكدًا ويتراكم في المخازن (الركود)، تغلق المصانع، تقل الاستثمارات، ينتشر الإفلاس وتحدث الأزمات المالية.
“ثرثرة صبيانية … هراء .. احتيال”
(كارل ماركس وهو يصف قانون ساي للأسواق)
4. الرأسمالية تخلق البطالة
في التحليل الماركسي يُستخدم لفظ جيش الاحتياط العمالي (أو الصناعي) أساسًا للتعبير عن العاطلين عن العمل في الرأسمالية والمجتمع الرأسمالي. ويُشير مصطلح “جيش الاحتياط العمالي” إلى ذلك الجزء من القوة العاملة الذي يُحتفَظ به احتياطيًا ليُستَدعى إلى قوة العمل عند الحاجة، ويُنظر إلى النساء والشباب وكبار السن بوصفهم جيشًا احتياطيًا للعمالة؛ لأنهم عادة ما يبقون خارج القوة العاملة. ويستخدم ماركس كلمة جيش ليعبر عن العمال الذين يُجنَدون ويُنظمون في مكان العمل في تسلسلٍ هرمي تحت قيادة أو سلطة أصحاب رأس المال.
إذا لم يكن هناك جيش احتياطي للعمل فقد يكون من الصعب على الشركات الجديدة فتح مشروعات اقتصادية مربحة أو تنفيذها، فنقص العمالة سيؤدي إلى رفع الأجور مما سيحفز النقابات العمالية لمواجهة الرأسماليين.
مصطلح “جيش الاحتياط العمالي” هذا كان مفيدًا لفهم علاقة المرأة بقوة العمل، حيث تغير وضع النساء من كونهم “جيشًا احتياطيًا للعمل” إلى الانضمام للقوى العاملة في المجتمع خلال فترة الحرب العالمية الثانية، ثم سُرِّحوا ثانية عندما عاد الرجال للمجتمع وسوق العمل.
ومع كل أزمة تُلقي الرأسمالية بمزيد من العمال إلى الشوارع لينضموا لجيش الاحتياط، فتزداد أعداد جنود هذا الجيش المسالم غير المنخرط في أعمال القتال، بحيث تتلخص مهمته في توفير مصدر جيد للعمالة الرخيصة؛ لذا يرى ماركس أنه من المستحيل وضع حدٍ للبطالة في المجتمع الرأسمالي، كما يرى أن نظريات المدافعين عن الرأسمالية التي تفيد بأن التوظيف الكامل لوسائل الانتاج يمكن تحقيقه هي مجرد محاولات للتستر على التناقضات الطبقية؛ لأن وفرة العمالة تساعد الرأسماليين على البقاء في موضع السيطرة. فلا يمكن حل مشكلة جيش الاحتياطي الصناعي إلا من خلال استبدال الاشتراكية بالنظام الرأسمالي.
النقد الماركسي للرأسمالية: خطوات على طريق الشيوعية
في اعتقاد ماركس ستختفي الدولة في نهاية المطاف لتحكم ديكتاتورية البروليتاريا (الطبقة العاملة)، فالطبقة العاملة في البلدان الصناعية لا يعرف لها وطن، والدولة هي أداة الطبقة الرأسمالية، وعلى العمال ألا يدينوا لها بالولاء.
“دع الطبقات المهيمنة تسقط بالثورة الشيوعية، ولن تفقد الطبقة العاملة أي شيء عدا أغلالها، وستربح العالم بأكمله. يا عمال العالم اتحدوا!”
كارل ماركس – البيان الشيوعي
يتضمن البيان الشيوعي خطة من عشر نقاط من شأنها أن تشق طريق الاستبداد في حقوق الملكية، وبالطبع هذه الإجراءات تختلف باختلاف الدول، ومع ذلك ستطبق الخطوات الآتية بشكلٍ عام في الدول الأكثر تقدمًا:
- إلغاء الملكية في الأراضي واستغلال جميع إيجارات الأراضي للأغراض العامة.
- فرض ضريبة دخل تصاعدية.
- إلغاء جميع حقوق الميراث.
- مصادرة ممتلكات جميع المهاجرين والمتمردين.
- تركيز منح الائتمان في أيدي الدولة عن طريق بنك وطني برأس مال الدولة وحق الاحتكار حصري له.
- تركيز ملكية وسائل الاتصال والنقل في أيدي الدولة.
- التوسع في المصانع وأدوات الإنتاج المملوكة للدولة، واستصلاح الأراضي الصحراوية.
- إلزام الجميع بالعمل بشكلٍ متساوٍ، وإنشاء الجيوش الصناعية وخصوصًا في مجال الزراعة.
- المزج بين الزراعة والصناعات التحويلية، وإلغاء تدريجي للتمييز بين المدينة والقرية من خلال توزيع الكثافة السكانية على أنحاء الدولة بشكلٍ متساوٍ.
- مجانية التعليم لجميع الأطفال في المدارس العامة، وإلغاء عمالة الأطفال في المصانع بالشكل الحالي، والمزج بين التعليم والإنتاج الصناعي.
ماركس يدافع عن الرأسمالية
رأى ماركس ضرورة وجود الرأسمالية من أجل الوصول إلى الشيوعية، ولذلك عارض الاشتراكيين المثاليين الذين رأوا أن الرأسمالية مذبحة للنظام الإقطاعي، وكذلك عارض الرومانسيين الذين رأوا أن الرأسمالية حادث شرير من أناس أشرار.
“إن البرجوازية من خلال التحسين السريع لكل أدوات الإنتاج تجذب جميع الأمم، حتى أكثرها بربرية، إلى الحضارة. …. لقد خلقت البرجوازية خلال حكمها الذي لم يتجاوز مائة عام قوى إنتاج أكثر ضخامة من جميع الأجيال السابقة معًا”
ماركس وإنجلز – المانيفيستو الشيوعي
حررت الرأسمالية – من وجهة نظر ماركس – الإنسان من ظروفٍ أسوأ، ووصفها بأنها: “أنقذت البشرية من بلاهة الحياة الريفية”، كما رأى أنها شرطٌ ضروري لقيام الاشتراكية، لذلك لم يهتم بروسيا ولا حتى ألمانيا حيث كان 4% فقط من ذكور القوى العاملة يعملون في المصانع، بل توقع أن تُفتح الأغلال والقيود في إنجلترا وفرنسا أولاً لأنهما معقلي الرأسمالية المتقدمة ومنهما ستأتي الإشارة عندما تكون ألمانيا مستعدة للشيوعية.
“سيعلن عن يوم البعث الألماني عن طريق صياح الديك الفرنسي”
David McLellan, Karl Marx: His Life and Thought (New York: Harper & Row, 1973), p.98))
على أي حال فقد نطق ماركس بحكم الإعدام على الرأسمالية، فهي في نظره نظام ذاتي المرض لا يمكن شفاؤه، ولكن المفاجأة أن النظام لم يمت، فما لم يأخذه ماركس في الحسبان أن تتغير الرأسمالية نفسها، فكثير من المصلحين الليبراليين قد ساروا بخطوات متوافقة مع بنود البيان الشيوعي العشرة.، وأثبتت الدول الصناعية الكبرى المتقدمة أنها محصنة بشكل كبير ضد الثورة الماركسية، وظهر كثير من القوانين المنظمة لحقوق العمال، والعديد من الإصلاحات التي حققت لهم بعض الرفاهية (أي: تحقق الدخل من خارج النظام الإنتاجي)، وتغيَّر الشكل التنظيمي ليكون معتمدًا على الجهاز الإداري بدلًا من المُنظِّم (صاحب العمل) وحده، كل ذلك جعل الاندفاع نحو الثورة الماركسية بعيد المنال. بل وحيثما نجحت الثورة الماركسية – في روسيا والصين وكوبا مثلًا – فإنها على الحقيقة لم تنجح ضد الرأسمالية، بل يمكن القول أنها نجحت ضد الإقطاع؛ أي ضد ملاك الأراضي وليس ضد رجال الصناعة الرأسماليين.
عجلة التاريخ لا ترحم فكما حاكمت النظرية الاقتصادية الماركسية وواقع الثورة الصناعية والأزمة المالية آدم سميث وزملاءه، حاكم أحفاد سميث من الاقتصاديين فشلَ الشيوعية المرتقبة من ماركس ورفاقه، وهكذا تحطمت أمواج النظريات التي ظنَّ واضعوها أنها لن تُحطم على صخور واقع لا يرحم، والأيام دُول.
تود جي باكولز (2013): أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين، ترجمة كوثر محمود محمد، حسين التلاوي، دار النشر : كلمات عربية للترجمة والنشر
جون كينيث جالبريث (2000): تاريخ الفكر الاقتصادي، ترجمة: أحمد فؤاد بلبع، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، العدد261.
Skousen, M. (2007). The big three in economics: Adam smith, karl marx, and john maynard keynes. ME Sharpe.
Marx/Engels Selected Works, Vol. One, Progress Publishers, Moscow, 1969, pp. 98-137
Marx, K. (2018). The Communist Manifesto: & Selected Writings. Boxtree.
Eagleton, T. (1999). Marx. New York: Routledge.
Awesome post! Keep up the great work! 🙂
This design is steller! You definitely know how to keep a reader amused. Between your wit and your videos, I was almost moved to start my own blog (well, almost…HaHa!) Excellent job. I really enjoyed what you had to say, and more than that, how you presented it. Too cool!