قلة البركة !
هل جلست يوما مع أبيك أو جدك فحكى لك كيف كان يشتري بجنيه مالا تستطيع اليوم أن تشتريه بـأكثر من 10 أضعاف هذا المبلغ؟!
دعنا نقرب الصورة قليلًا، و لنتسائل هل تستطيع أنت أن تشتري اليوم ما كنت تشتريه منذ سنتين بنفس المبلغ؟ قطعًا لن تستطيع.
إنها الأسعار التي ترتفع بمرور الوقت.
هل تساءلت يومًا عن تلك الأرقام التي تقال في نشرات الأخبار عن التضخم؟ هل فهمت معناها يومًا؟ وهل تعتقد بأنها أرقام مبهمة ليس لها معنى واضح؟
حسناً؛ إنها ليست مبهمة تمامًا.
دعني أعطيك مثالا بسيطا، إذا قالوا لك أن معدل التضخم في هذا العام هو5% فما الذي يعنيه هذا الرقم؟
ببساطة معناه أن ما كنت تشتريه منذ عام بـ100 جنيه ستشتريه اليوم بـ105 جنيهات، وما كنت تشتريه بـ1000 جنيه ستشتريه اليوم بـ1050 جنيهاً،
إنها ببساطة نسبة زيادة الأسعار (في المتوسط) مقارنة بالسنة الماضية؛ أي أن معدل التضخم هو رقم يمثل نسبة ارتفاع الأسعار السنوي.
ما وراء السعر: القدرة الشرائية
إن ارتفاع الأسعار يجعلنا نشعر أن قيمة النقود تتناقص مع الوقت، أو كما يحب أن يقول البعض: أن النقود لم تعد فيها بركة كالأيام الخالية، فهي لم تعد تمكن البعض من استيفاء حاجياتهم حتى !
يمكننا أن نقول أن النقود قد فقدت القدرة على اقتناء ما كانت تقتنيه، خارت قواها، وبالتالي قدرتها على شراء السلع قد انخفضت؛ فلا تستطيع أن تشترى الآن ما كانت تشتريه سابقاً..
نستطيع أن نقول أنها فقدت قدرتها الشرائية ! لكن ماذا يعني ذلك؟
أولا لنبدأ بتعريف بسيط:
القدرة الشرائية هي قدرة وحدة نقدية (لنقل دولارًا واحدًا) على شراء السلع أو الخدمات. أو بتعبير آخر، كمية السلع و الخدمات التي تستطيع شراءها بوحدة نقدية واحدة (دولارًا واحدًا).
ما يفعله التضخم: خفض القدرة الشرائية
لنعتبر -فرضًا- أنه تم اختراع آلة زمنية، وأنك ذهبت وفي حوزتك جنيهًا واحدًا إلى أحد الأسواق سنة 2020م، فهل ستشتري بهذا الجنيه نفس الكمية من السلع التي تستطيع أن تشتريها اليوم؟ من المؤكد أنك لن تستطيع، فالأسعار ستكون قد زادت و بذلك انخفضت قدرة الجنيه الذي معك على شراء السلع أو بتعبير آخر: تبا ! لقد انخفضت القدرة الشرائية
بدون الدخول في التفاصيل التقنية التي لاتُفهِم ولا تغني من جهل، تقيس الحكومات التضخم بالطريقة التالية:
– أولا: تختار مجموعة من السلع الأساسية والضرورية لأغلب المستهلكين .
– ثانيا: تحدد سعر كل سلعة من السلع ثم نحسب متوسط سعر السلع (بطرق معينة لن تفيدنا معرفتها في هذه المرحلة)
– ثالثا: يتم مقارنة متوسط سعر السلعة بمتوسط سعر نفس السلعة في السنة السابقة؛ وبذلك تكون نسبة التضخم هي نسبة ارتفاع متوسط سعر السلعة .
أثر التضخم على فئات المجتمع
ربما قد لاحظت أنك عندما تذهب لتسوق حاجيات المنزل الأساسية أن نفس السلع التي تشتريها دائمًا قد ازداد المبلغ الذي تدفعه فيها، وذلك على الرغم من أن السلع واحدة لم تتغير فإن كنت تدفع فيما مضى مثلا مئة وحدة نقدية لشراء السلع الأساسية ربما تدفع الآن مئة وخمسين أو مئتين؛ أي أن إجمالي المبلغ الذي يدفع فيما يتم شراؤه من طلبات مكررة قد ازداد. هذا هو أكبر تأثير للتضخم .
لكن هذا التأثير يظهر على فئات المجتمع بنسب متفاوتة.
فالتضخم يؤثر بشكل أكبر على الفئات الضعيفة أصحاب الدخول الثابتة الذين لا يستطيعون تغيير دخولهم بما يتلائم مع ارتفاع الأسعار؛ حيث أن الأسعار ترتفع باستمرار على عكس قدرتهم الشرائية التي تبقى ثابتة بسبب دخلهم الثابت، بالتالي يُضطرون إلى تقليل استهلاكهم من الحاجات الأساسية حتى تتلائم مع الدخل المتاح لهم.
أما بالنسبة لأصحاب المهن الحرة فهم يستطيعون رفع دخولهم (برفع كمية أو سعر السلع المنتجة) بما يتلائم مع ارتفاع الأسعار.
أما بالنسبة لمن يملكون مدخرات نقدية فالأمر على ضربين:
- إذا تم ادخارها في البنوك بنسبة فائدة معينة، (بغض النظر عن الحكم الإسلامي للفائدة :الربا ) فهنا يجب المقارنة بين سعر الفائدة ومعدل التضخم، فإذا زاد سعر الفائدة عن معدل التضخم فإن قيمة المدخرات تزيد مع الوقت، أما إذا زادت نسبة التضخم على سعر الفائدة فإن قيمة المدخرات تتآكل مع مرور الوقت، وفي حالة تساوي معدل التضخم وسعر الفائدة فإن قيمة المدخرات النقدية تبقى ثابتة .
- إذا لم يتم ادخارها في البنوك؛ فإن قيمة النقود تنقص كل سنة بنفس معدل التضخم .
لم يكن الأمر صعبًا، أليس كذلك؟ بالطبع فالمفهوم في أصله بسيط للغاية. لكن، المشكلة في الطريقة التي يقدم بها.
إذا استوعبت جيدًا هذا المقال فقد وصلت لنصف الطريق. ولا يبقى لك سوى أن تفهم أسباب هذا المرض العضال الذي استفحل في اقتصادات الدول، فهل من سبيل للعلاج؟
لنفعل هذا يلزمك أولا أن تعرف أسباب التضخم وتُلِم بها جيدًا، وهذا ما سوف نقوم به في المقال القادم، انتظرونا..