الاقتصاد ليس معتقدًا، إنه ميزان للعقل وطريقة للتفكير تساعد الاقتصادي في الوصول إلى الاستنتاجات الصحيحة1
يرى علماء الاقتصاد العالم بعدسة مختلفة عن تلك التي يراه بها غير المختص؛ لذا فهم يحللون القضايا والمشاكل بواسطة النظريات الاقتصادية. هذه الأخيرة – أي النظرية – تعتمد على بعض الافتراضات، فإذا تم إثبات صحة النظرية تحولت إلى قانون.
مصطلحات صعبة، أليس كذلك؟ دعونا إذن نبسطها قدر الإمكان.
العلوم بصفة عامة ليست عبارة فقط عن جمع للبيانات والمعطيات، فهي تشمل أيضًا عمليات صعبة يستلزم فهمها شرح ثلاث مصطلحات مهمة، ستجدها بغزارة في الكتب العلمية – بلا استثناء – وليست الاقتصادية فحسب؛ لأنها تلعب دورًا مهمًا في فهم القضايا التي يدرسها العلم والعالم؛ لذا يجب عدم خلط هذه المفاهيم الثلاث الاساسية:
النظرية –القانون– النموذج
ما هي النظرية الاقتصادية؟
بالنسبة للنظرية فهي تقوم على فهم ظاهرة ما (الظاهرة: هي حدث غير عادي ويصعب على الإنسان فهمه) فهي ببساطة محاولة لفهم وتفسير تلك الظاهرة انطلاقا من عدة افتراضات يطلقها العالم على أساس ملاحظاته أو تجاربه العلمية، حيث يحلل العالم العلاقة بين مختلف العوامل التي يشك في تسببها في لظاهرة ثم يحاول تفسير تلك العلاقة.
القانون الاقتصادي
أما القانون؛ فهو بصفة عامة عبارة عن وصف لعلاقة معينة موجودة في الطبيعة، ففي الفيزياء مثلًا نسمع عن قانون الجاذبية، فالأرض تجذب الأجسام نحوها، حاول أن تُلق قلمًا في الهواء و ستتأكد من هذا القانون بنفسك.
أحد القوانين -أيضًا- التي نسمعها مرارًا وتكرارًا في الاقتصاد هو قانون العرض و الطلب، وهو قانون يشرح العلاقة بين السعر والكمية السلع في السوق، فقانون العرض والطلب ما هو إلا وصف لما يحدث فعلا، فعندما يطلب الناس سلعة ما بكثرة يزداد سعرها، كما يحدث لسعر التمر في شهر رمضان أو لسعر الماشية عند اقتراب عيد الأضحى.
النموذج الاقتصادي
بالإضافة إلى مفهومي النظرية والقانون يستعين علماء بمفهوم آخر ألا وهو النموذج؛
فالنموذج عبارة عن محاولة لتجربة تطبيق وتمثيل نظرية ما بشكل مبسط، في محاولة لفهمها بشكل أكبر.
فعلى سبيل المثال، استخدم الإقتصاديون النموذج المسمى بـ (مخطط التدفق الدائري)؛ لفهم العلاقة بين مختلف الأسر والشركات. مصطلح معقد، أليس كذلك؟
أتفق معك أن الاقتصاديين لهم ميل عجيب للأسماء المعقدة، لكن لا تقلق، فالنموذج بسيط للغاية.
كما تلاحظ في هذا النموذج البسيط هناك فاعلَين اقتصاديين:
- الفاعل الأول: الأسر
- الفاعل الثاني: الشركات
وسوقين مختلفين:
- السوق الأول: سوق السلع والخدمات.
- السوق الثاني: سوق عوامل الإنتاج – هناك عاملين إنتاج وهما الشغل (لأيدي العاملة) والرأسمال (التمويل) –
بطبيعة الحال في العالم الواقعي لا يمكننا أن نرى الواقع بهذه الطريقة المبسطة، ولكن باستخدام هذا النموذج قمنا بتمثيل الواقع بطريقة مبسطة مما سيمكننا من فهمه وتحليله لاحقا.
لنحاول إذن فهم النموذج – ذو الاسم المعقد – أكثر.
- في سوق السلع و الخدمات: تقوم المصانع والشركات بعرض منتجاتها فيسوق السلع والخدمات لتقوم الأسر باقتناء ما تحتاج منها.
- في سوق عوامل الإنتاج: تعرض الأسرالعاملة بيع عملها ومدخراتها في سوق عوامل الإنتاج لصالح المصانع و الشركات نظير مقابل مادي سواء كان أجرًا بالنسبة للشغل أو نسبة فائدة بالنسبة للمدخرات.
مثال آخر للتوضيح؟ فليكن،
– هو هو نفسه المهندس ( محمد ) يتحول إلى بائع في سوق عوامل الإنتاج حين يبيع خبراته وساعات عمله للمصنع الذي يعمل به لقاء مقابل مادي – النقود/الراتب –
في هذه الحالة، ( المهندس محمد ) لعب دورين مختلفين في سوقين مختلفين؛ أي أن كل فرد منا يقوم بأداء دور في السوقين بشكل أو بآخر.
هذا هو الأمر ببساطة بدون تعقيدات، فكما لاحظتم فقد ساعدنا النموذج على فهم الواقع وتحليله بطريقة أبسط.
في النهاية تبقى مصطلحات “كالنظرية، القانون والنموذج” تبدو معقدة في ظاهرها، ولكنها في الحقيقة ليست إلا مفاهيم يستخدمها العلماء في تقنين و تأطير دراستهم للعالم الذي نعيش فيه.
ـــــــ
(1) Principles of Macroeconomics – p 18