فقاعة الإنترنت | كيف تحولت نعمة الأنترنت إلى نقمة
عندما يتعلق الأمر باستثمار أموالك وجني الأرباح، فإن الحالة الوحيدة التي ستتجاهل فيها ألف باء قواعد الأمان وتتغاضى فيها عن جميع المؤشرات التي تدق ناقوس الخطر لدرجة أنك ستكون في وسط نفق مظلم لا ترى فيه إلا ضوءًا براقًا في نهايته! هي الحالة التي يكون فيها العائد كبيرا جدا إلي الدرجة التي تؤدى ببؤبؤ عينيك إلي الاتساع حيث لن ترى غير الربح الهائل الذي يعود على الجميع من اتباع مسار ما قد لا تعرف عنه شيئا، لكنك ستقوم باتباع نفس المسار.
عشرات الأسماك المزيفة وخاتم مؤقت بكل واحدة
في أواخر التسعينيات بدأ التقدم التكنولوجي في مجال الإنترنت في الدول الصناعية باتخاذ مسار تصاعدي، حيث تميزت تلك الفترة بتأسيس الكثير من الشركات التي تقدم خدماتها ومنتجاتها عن طريق الانترنت، سميت حينها هذه الأخيرة بشركات بالـ dot-coms وبالتالي أحاطت بتلك الشركات هالة من التفاؤل؛ حيث أن الإنترنت هو تكنولوجيا المستقبل، والاستثمار فيه هو صفقة رابحة بكل تأكيد.ومع هذا بدأت أسعار الأسهم في هذا القطاع والقطاعات ذات الصلة به بالارتفاع بسرعة حتى قبل أن تحقق الشركة أي ربح!! فلم يكن عليك سوى إضافة .com إلى نهاية اسم شركتك وسترى التأثير الكبير الذي تحدثه تلك الإضافة على سعر أسهمها.
عندما لاحظ المستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال هذا الأمر بدؤوا بضخ أموالهم في هذا القطاع بروح مغامرة وبحرص أقل، ومخاطرة أكثر، حيث لم يكن ينظر إلى أحوال الشركة نفسها أو التساؤل حول تحقيق الشركات للأرباح أم للخسائر. أو التساؤل عما إذا كانت قد تمت المغالاة في عملية تقييم تلك الأسهم أم لا؟ كل هذه الأساسيات بدت هراءًا أمام ارتفاع الأسعار والربح الممكن تحقيقه من هذه الارتفاعات غير المنطقية في أسعار الأسهم.
المزيد من الشركات
ساعد على هذا أيضًا سعر الفائدة المنخفض عام 1998-1999 فتوجه الجميع إلى الاقتراض وتوجيه مدخراتهم إلى الاستثمار في القطار الصاعد الذي يعِد بالثراء؛ مما أدى إلى زيادة رؤوس أموال هذه الشركات الناشئة. فكل سهم إضافي يتم شراؤه تضاف قيمته إلى رأس المال.
وسجلت ظاهرة في ذلك الوقت باستقالة الناس من وظائفهم ليتاجروا بشكل دائم في الأوراق المالية وكل هذا ساعد في تضخم الفقاعة أكثر، حيث كانت تستخدم الأرباح في إنشاء المزيد من شركات الـ dot.coms كما تم تسميتها بعد ذلك.
في أواخر التسعينيات -أي في وقت حدوث هذا الرواج الشديد في سوق الأسهم- لم تتوفر لا البنية التحتية الأساسية ولا الوعي بين العامة بكيفية استخدام التكنولوجيا الجديدة، حتى فى الدول الصناعية حيث لا توجد فروقات كبيرة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة في درجة الفهم أو الوعي بأهمية هذا القطاع. لكن كل هذا لا يهم، ما يهم هو تحقيق الأرباح الضخمة!
الصيت ولا الغنى
كان هناك شعار سائد في تلك الفترة وهو بسيط جدا، وتم تطبيقه بطريقه كارثية للغاية: ‘’إما أن تكبر أو تختفى!!‘’
وتحت هذا الشعار توحدت استراتيجيات تلك الشركات في العمل على توسيع قاعدة العملاء، والعمل على زيادة الوعى بعلاماتهم التجارية عن طريق التسويق المكثف، حتى لو كان هذا على حساب زيادة الديون والتسبب في خسارة سنوية.
ففي يناير عام 2000 في دورة ألعاب كرة القدم الوطنية في الولايات المتحدة الامريكية دفعت كل شركة من 16 شركة حوالي 2 مليون دولار مقابل إعلان تجاري مدته 30 ثانية! وفي حركة غير مسبوقة قامت إحدى الشركات بإعطاء 10 ملايين دولار لأحد المتسابقين في أحد البرامج على قناة CBS للقيام بدعاية لها. هذا بالإضافة إلى حملات التوعية عن طريق إعلانات التلفزيون والإعلانات المطبوعة. ولا داعي لذكر أن معظم تلك الشركات ناشئة ولم تحقق أرباحًا بالقدر الذي يمكنها من إنفاق بهذا الحجم.
فبالرغم من تجاهل معظم تلك الشركات للمبادئ القانونية ولأسس التمويل فقد شجع الإعلام هذا النوع من الاستثمارات كما كان رئيس البنك الفيدرالي في ذلك الوقت يصادق على تقييمات الأسهم بالرغم من جميع الشواهد التي تثبت المغالاة فيها.
انفجار الفقاعة.. كالعادة
في الظروف الطبيعية يمكن تصنيف الأسهم كالتالي:
- أسهمٌ قدِّرت بقيمة أقل من قيمتها الفعلية: ويكون هناك اتجاه لشرائها لتوقع ارتفاع سعرها في المستقبل.
- أسهمٌ مُغَالى في تقديرها: ويكون هناك اتجاه لبيعها لتوقع انخفاض قيمتها في المستقبل.
ولكن أثناء حدوث فقاعة في سوق الأسهم يلاحظ المضاربون ارتفاعًا سريعًا في سعر الأسهم في صناعة ما، ويكون هناك اتجاه لشراء تلك الأسهم بالرغم من المغالاة في تقدير قيمتها وذلك للاستفادة من الارتفاع السريع في سعر السهم.
بعد تضخم الفقاعة بشكل كبير، أصبحت الكثير من الشركات غير قادرة على سداد ديونها وعلى تحمل العبء المالي فأجبرت على إعلان إفلاسها، وتم اتهام الكثير من المدراء التنفيذيين بالاحتيال لسوء استخدام أموال المساهمين.
وتسبب انهيار السوق المالية في خسارة 5 تريليون دولار من القيمة السوقية لتلك الشركات في الفترة من مارس 2002 حتى أكتوبر 2002.
وتبع انفجار الفقاعة انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الامريكية في الربع الأول من عام 2002 وكان الأكبر منذ عام 1992، حيث وصل النشاط الاقتصادي أقصاه في مارس 2001 وتبعها فترة كساد استمرت حتي شهر نوفمبر.
ويعتبر أصحاب الشركات الذين باعوا شركاتهم في مراحل مبكرة من الفقاعة أثناء ارتفاع أسعار الأسهم من أكبر المستفيدين من تلك الموجة.
النصف الفارغ من الكأس المكسور
كان من الممكن تجنب كل تلك الدراما بخطوات تقليدية حيث تتم مراعات المؤشرات يجب في سوق الأوراق المالية التي تقيس نسبة سعر السهم للربح السنوي للشركة. ولكن – ربما – لو حدث هذا ولم تتكون الفقاعة فلم نكن لنتمتع الآن بالكثير من المزايا من التطور الهائل في مجال الانترنت؛ حيث ساعدت تلك الفقاعة في بناء الكثير في هذا المجال الحيوي.
فتلك الحادثة وإن تسببت في خسارة فادحة لم تكن بكل هذا السوء إذا نظرنا لها من هذه الزاوية.