اقتصاديون من زمن فات (5) | جون ماينرد كينز
كامبريدج: عراقة المدينة والجامعة
كامبريدج هي مدينة تقع في شرق إنجلترا، تضم واحدة من أكبر خمس جامعات على مستوى العالم؛ وهي جامعة كامبريدج(1). فقد حصلت الجامعة على ما يقرب من 100 جائزة نوبل حتى يومنا هذا، وذلك يجعلها أحد أكثر الجامعات حصدًا للجائزة في العالم(2). وهي إحدى أكبر وأجمل الجامعات العالمية، وقد تخرج منها كبار العلماء في العالم أمثال: نيوتن Isaac Newton صاحب نظرية الجاذبية، وكوكروفت John Cockcroft صاحب الفضل في الانشطار النووي، وكلا من واطسن وكريك Watson and Crick اثنان من الثلاثة علماء الذين اقتسموا جائزة نوبل في الطب سنة 1962 عن اكتشافهم للبنية البيولوجية “الحمض النووي”.
تلك الجامعة احتضنت أيضًا بطل مقالنا اليوم، والذي قال عنه أحد أبرز فلاسفة بريطانيا (برتراند راسل) Bertrand Russell: “إنه أكثر من عرفت ذكاءً وفطنة”.
فمن هو يا ترى؟
غرور ونبوغ
جون مينارد كينز John Maynard Keynes بطل موضوعنا اليوم، صاحب الشهرة الواسعة في الأوساط الأكاديمية الاقتصادية كونه مؤسس المدرسة الكينزية في الاقتصاد، وهي من أكبر المدارس الاقتصادية رواجًا في عالمنا اليوم.
ولد كينز عام 1883م في مدينة كامبريدج، وهو – ويالها من أقدار – نفس العام الذي توفي فيه “كارل ماركس”! كان والد كينز اقتصاديًا وعالم منطق ورئيسًا لإدارة جامعة كامبريدج، أما والدته فقد شغلت في فترة من فترات حياتها منصب عمدة مدينة كامبريدج، وقد عاشا حتى شهدا وفاة ابنهما الشهير، وحضرا جنازته في أبريل 1946.
ظهرت نباهة كينز منذ الصغر، ففي السادسة من عمره بدأ يتساءل عن كيفية عمل دماغه، كما ظهرت لديه أمارات سياسة الناس وهو في المدرسة الإعدادية، فقد كان لديه من يحمل كتبه المدرسية وهو يسير وراءه في مقابل أن يقوم كينز بمساعدته في حل المسائل المعقدة في الواجبات المنزلية!
في الرابعة عشر من عمره حصل على منحة دراسية للالتحاق بكلية إيتون Eton College وهي مدرسة داخلية كاملة للذكور. التحق كينز بكلية الملك – جامعة كامبريدج لدراسة الرياضيات – وعانى في دراستها عناءً شديدا، حتى أنه كتب لأحد أصدقائه: “أصيب مخي بالكآبة، ودُمِر عقلي، وأصبحت نكدًا”، وذلك على الرغم من كونه موهوبًا في مجال الرياضيات التي كان يحرز فيها دومًا المراكز الأولى في إيتون!
كوَّن صداقاتٍ وعلاقات فكرية داخل جامعة كامبريدج مع أناس مثل: برتراند راسل، وجي إي مور G. E. Moore وكذلك ألفريد نورث Alfred North Whitehead ما وفر له فرصة الانضمام إلى صفوة دوائر الجامعة وأكثرها انغلاقًا: جماعة حواريي كامبريدج Cambridge Apostles society. وهي عبارة عن مجتمع فكري في جامعة كامبريدج تأسس في عام 1820 من قِبل جورج توملينسون George Tomlinson، وهو من طلاب كامبردج والذي ذهب وأصبح بعد ذلك أول أسقف في جبل طارق.
كانت مناقشات الجماعة بوجه عام تدور حول موضوعات ثلاثة: الفلسفة، وعلم الجمال، والأعضاء أنفسهم، خاصةً وأن معظمهم افتقد لبهاء الجسد – كان أصدقاء كينز في المدرسة ومعلموه يرونه قبيحًا – وقد غرست الجماعة في نفوس أعضائها الغرور، فلم يروا أنفسهم أسمى من عوام البشر فحسب، بل أسمى مَن في كامبريدج وأكسفورد! حيث كتب كينز مرةً: “أشعر أن أغلب الآخرين لا يفهمون على الإطلاق، هم إما حمقى للغاية، أو خبثاء للغاية!”. وجدير بالذكر أن النساء لم تحظَ بالقبول في ذلك المجتمع إلا بداية من السبعينيات، ولكن هذا لا يعني أنها كانت جماعة بلا فائدة، فقد دارت فيها مناقشات فكرية وتعلم كينز هناك البراعة في المناظرة والكتابة.
قام كينز مع عدد من الأصدقاء والأقارب والأزواج بتشكيل مجموعة بلومزبري Bloomsbury Group وهي مجموعة من الكتاب والمثقفين والفلاسفة والفنانين الإنجليز والتي أثرت في تطور الثقافة البريطانية، وبخلاف الجماعة السابقة كان نشاط هذه المجموعة ممتدًا خارج أسوار كامبريدج الجامعة والمدينة على حد سواء. حيث كانت لقاءات المجموعة في منازلهم في بلومزبري وسط لندن أو في ريفها.
جمع أعضاء المجموعة اعتقادٌ راسخٌ بأهمية الفنون، وقد أثرت أعمالهم وتوقعاتهم تأثيرًا عميقًا على الأدب والنقد والاقتصاد فضلًا عن المواقف الحديثة تجاه الحركات النسوية والسلام. وهنا حاز كينز فرصة الانفتاح على العالم ونوعًا من الحوار يتعارضان مع المفاهيم المتشددة في الفكر الاقتصادي.
من الرياضيات إلى الاقتصاد
بعد تخرج كينز وحصوله على شهادة في الرياضيات عام 1905، أقنعه والده بدراسة الاقتصاد، فأمضى سنة إضافية في كامبريدج يدرس الاقتصاد من الاقتصاديِّ البريطاني ألفريد مارشال Alfred Marshall ، ومن أحد أنبغ طلابه (والمرشح بقوة لكي يكون وريثًا لمارشال) آرثر بيغو Arthur Cecil Pigou والذي صار أستاذ الاقتصاد السياسي فيما بعد في كامبريدج.
قرأ كينز لأول مرة كتابًا في الاقتصاد وهو كتاب “مبادئ الاقتصاد” Principles of Economics لألفريد مارشال. وكما جرت العادة حينها فيما يتعلق بالمراسلات بين الكتاب والقراء، راسل كينز مرشال كثيرا، وكانت رسائل مارشال إليه مرفقة ببعض كلمات التشجيع. وقد كان لهذه الكلمات أثرٌ كبيرٌ في توجه كينز للاقتصاد.
وفي أكثر التصريحات بخسًا للنفس منذ تصريح آدم سميث أنه كتب كتابه “ثروة الأمم” لتمضية بعض الوقت قال كينز: “أعتقد أنني جيد إلى حد ما في الاقتصاد، أود أن أدير محطة سكك حديدية أو صندوق ائتمان أو أحتال – على الأقل – على المستثمرين” ثم كتب بعدها بأيام: “لا ينفك مارشال يزعجني بالإلحاح عليّ لأصبح اقتصاديًا متخصصًا. هل لهذا جدوى؟ أشك!”.
الجدير بالذكر أن دراسته للاقتصاد استمرت لثمانية أسابيع فقط، ولم يحصل كينز على الدرجة العلمية في الاقتصاد على الرغم من أنه أثبت بتعليقاته براعةً في الجانب التطبيقي.
كينز رجل الدولة
حل كينز في المرتبة الثانية بين 104 مرشح لاجتياز امتحان الخدمة المدنية وهو امتحان للتعيين في الدولة بحيث تعتمد التعيينات على الجدارة والكفاءة بدلًا من المحسوبية، والمفارقة أنه حصل في مادتي الاقتصاد والرياضيات على أقل الدرجات. وكان رده على ذلك أن ممتحنيه في مادة الاقتصاد لم يتمتعوا بالمعرفة الكافية حتى أنه يصلح أن يكون أستاذًا لهم! (ربما هي بقايا من تعليمات جماعة حواريي كامبردج). لكن كينز حصل مع ذلك على وظيفة مكتبية في مكتب شركة الهند بلندن للشحن، لكنه سريعًا ما أصابه الضجر من الأعمال المكتبية الاعتيادية، حينها وجد منصب المحاضر الذي عرضه مارشال جذابًا للغاية، فعاد إلى جامعة كامبريدج للتدريس بها. وقد استند كينز في تدريسه الاقتصاد إلى نصوص كتب مارشال والاقتصاد الكلاسيكي.
أثناء تدريسه بكامبريدج طلب من كينز تقديم سلسلة من المحاضرات عن التمويل الهندي في كلية لندن للاقتصاد في أوائل عام 1911م. وعلى إثر ذلك قام بنشر أول كتاب له عام 1913م عن عملة الهند وماليتها Indian Currency and Finance. تناول فيه أسعار صرف الذهب والإصلاح النقدي في الهند، وهذا الكتاب هو الثمرة الوحيدة لعمله السابق في شركة الهند للشحن ودرايته بالشؤون الهندية.
لكن وحين شُكِّلت لجنة ملكية The Royal Commission on Indian Currency لبحث ودراسة النظام المالي واقتراح إصلاحات للعملة الهندية، طُلب من كينز أن يكون من أعضائها وهو لم يتجاوز التاسعة والعشرين من عمره بعد! حيث صادفت آراؤه هوىً لدى النخبة السياسية في لندن، لكن ذلك لم يكن في ذهن كينز فهذه آراؤه بصورة مجردة، لا يرغب فيها بتغليب مصلحة لندن على حساب مستعمراتها: كالهند مثلًا، فقد كان كينز يؤيد ابتعاد الهند عن معيار الذهب إلى نظام عملة جديد تكون النقود فيه من خامات رخيصة سواء كانت ورقًا أو معدنًا؛ لأن ذلك أكثر إفادة للدول في التجارة الدولية، بالإضافة إلى أن الغطاء الذهبي يجعل الدول المدينة (المستعمرات البريطانية مثلًا) في أزمات حقيقية تجعلها تقبل ما يُملى عليها من الدول الدائنة ويجعل الذهب يتدفق خارجًا منها وهو ما يجعلها مهددة بالكساد. ومع الوقت، حقق كينز شهرة كشخص يتمتع برأي وبصيرة، فشارك في تحرير جريدة “الإيكونوميك جورنال” واستمر هناك حتى عام 1945م، أي قرابة ثلاثة وثلاثين عامًا.
كينز المشاغب
جاءت الحرب بما تجيء به دومًا؛ الدمار والخراب. فمع سنوات الحرب العالمية الأولى تفككت مجموعة بلومزبري، حيث وضعت مبادئهم – كالحفاظ الدائم على السلام – على المحك، فمنهم من رفض الانخراط في الجندية وقَبِل المحاكمة، ومنهم من غلبه شعوره الوطني، أما كينز فقد غلبته النزعة العملية، فآثر العمل الحكومي الموجه للحرب فاستُدعي كينز ليصبح وزيرًا للمالية البريطانية ليكون مسؤولًا بذلك عن إدارة شؤون بريطانيا المالية فيما وراء البحار، وبدأت علامات تأثره ببلومزبري تظهر في قراراته الاقتصادية، إذ اقترح على الفرنسيين أنهم إذا أرادوا موازنة ميزان مدفوعاتهم مع بريطانيا فعليهم أن يبيعوا بعض اللوحات الفنية التي يملكونها في صفقة بلغت قرابة المئة ألف دولار!
التقى كينز أثناء جولاته لحضور حفلات الباليه بالراقصة الروسية ليديا لوبوكوفا Lydia Lopokova ، والتي تزوجها فيما بعد عام 1925م. هجرت زوجته مع الزواج وظيفتها، إلا أن صديقًا زارهما ذكر أنه كان يسمع أصواتًا مقلقة نتيجة قفز وخبط في الدور العلوي، وهو ما يعني أن كينز احتكر فنها لنفسه!
انتهت الحرب واشترك كينز في مفاوضات السلام في مؤتمر فرساي Treaty of Versailles عام 1919م، كممثل عن وزارة الخزانة، ومرة أخرى تسيطر مبادئ بلومبزبري على رؤية كينز، فقد استشعر كينز أن سلوك الحلفاء تحركه نزعة الانتقام وتسوية الحسابات أكثر من مراعاة الظروف الواقعية والعملية لقدرة ألمانيا المهزومة، إذ شهد خداع رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج David Lloyd George ، ونظيره الفرنسي جورج كليمانصو Georges Benjamin Clemenceauلرئيس الولايات المتحدة الأمريكية ويلسون Thomas Woodrow Wilson، الأمر الذي أسفر عن فرض ضغوط مفرطة على ألمانيا المهزومة إلى حدٍ يمنعها من استعادة توازنها إلا إذا شنَّت حربًا مخيفة، وكأنه كان يتنبأ باندلاع الحرب ثانية، كما عارض كينز التجنيد الحكومي الإجباري للشباب البريطانيين على الجبهات مع فرنسا. كل هذا دفع كينز للاستقالة.
غادر كينز باريس في يونيو 1919م ونفسه تضج بالسخط والاحتقار لكل ما دار حوله، وعاد إلى إنجلترا ليؤلف كتابه “العواقب الاقتصادية للسلام” The Economic Consequences of the Peace خلال شهرين، رسم فيه كينز صورة مشوهة لقادة العالم، وأوضح التجني على ألمانيا. فبعد كتابه لم يعد يُنظر إلى ألمانيا كدولة معتدية لقيت عقوبتها، بل كضحية أثقلتها التعويضات!
بيع قرابة المئة ألف نسخة من الكتاب في بريطانيا وحدها وقتئذٍ، وتُرجِم للغات عدة، وأصبح أحد أهم الوثائق الاقتصادية المتعلقة بالحرب العالمية الأولى وما بعدها. وتزايدت مبيعات الكتاب بصورة قياسية، مضاعفة شهرته وغروره.
وانفتحت بعدها شهية كينز على التأليف، وانسال مداد قلمه ليعكس آراءه الاقتصادية ولم يبال بمن يعارضه فيها، وكان من أشهر المقالات التي هاجم فيها الساسة، مقال: “الآثار الاقتصادية للسيد تشرشل” حيث نقد فيه قرار ونستون تشرشل Winston Leonard Spencer-Churchill – وزير الخزانة البريطانية في ذلك الوقت عام 1925م – الخاص بعودة الجنيه الإسترليني بعد تدهوره في فترة الحرب إلى قيمته القديمة بالذهب. إذ رأى كينز أن ذلك سيرفع قيمة منتجات بريطانيا بما يقارب 10% فوق الأسعار العالمية مما يفقدها تنافسيتها!
وبعد الحرب العالمية الثانية، اجتمع أعضاء ممثلي 44 بلدًا في بريتون وودز في عام 1944م لإنشاء مؤسستين تحكمان العلاقات الاقتصادية الدولية، فرأوا أن تأسيس بنك دولي للإنشاء والتعمير من شأنه أن يعمل على استعادة النشاط الاقتصادي، وأن إقامة صندوق نقد دولي من شأنه أن يساعد في استعادة قابلية تحويل العملات والنشاط التجاري متعدد الأطراف، وهنا قاد كينز الوفد البريطاني. ويُعتَبر كينز ورئيس الخزانة الأمريكية في ذلك الوقت هاري ديكستر وايت Harry Dexter White المؤسسَين لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
الثورة الكينزية
كان من أهم ما اعترض استمرارية المدرسة الكلاسيكية في الواقع الاقتصادي هي: حالات الكساد!
فالنظرية الكلاسيكية كانت تفترض أن هناك توازنًا تلقائيًا في الاقتصاد إذا ما كان هذا الاقتصاد مبنيًا على أسواق تنافسية حرة، فمع وجود التوازن التلقائي لا يتصور أحدٌ حدوثً كساد. يؤكد الأمر قانون ساي للأسواق الذي كان يعتبر أن السلع المنتجة هي التي توجِد مشتريها!
لكن ماذا إذا لم يحدث هذا التوازن التلقائي للأسواق؟ وماذا إذا لم تجد السلع التي تم إنتاجها أحدًا ليشتريها؟! هذا هو الكساد. تتكدس السلع.. يتراكم المخزون.. وتتعطل العمالة.. فمَن الذي قد يود إنتاج المزيد من السلعة المتكدسة التي لا يريد أحد شراءها؟!
لا يتصور أن يُشخِّص الطبيبُ مرضًا لا وجود له، فضلًا عن أن يصف له علاجًا، وهذا ما حدث مع المدرسة الكلاسيكية، لم تتصور حدوث الكساد، لم تتوقعه؛ إذًا لا علاج له عندها!
في عام 1929م أغرقت الديون الدول، وعم اليأس في سيناريو مخيف، ارتفع معدل البطالة من 3% إلى 25%، وانخفض الدخل القومي إلى النصف وتوقف بناء المساكن وفقد الكثيرون منازلهم وخسروا تجارتهم، وانهارت الأسواق المالية، وانتهى عهد العشرينيات المزدهر تاركًا الاقتصاد أسوأ مما كان عليه، وتصارع العمال على الوظائف القليلة المتاحة، وصاحب الكساد الاقتصادي مناخ من الاكتئاب.
للمزيد راجع مقال الكساد العظيم
وفي عام 1935م وفي الاحتفال برأس السنة، كتب كينز إلى برنارد شو George Bernard Shaw: “يجب أن تعرف أنني أعتقد أن تأليفي لكتاب عن النظرية الاقتصادية سيؤدي إلى جعل العالم يفكر بطريقة ثورية للغاية في المشاكل الاقتصادية”. وقد كان هذا كتابه الأشهر: “النظرية العامة في التوظف والفائدة والنقود” The General Theory of Employment, Interest and Money المنشور عام 1936م، وهو الذي رأى فيه كينز أن التعافي من الكساد العظيم يبدأ عندما يفقد المسنون في وزارة المالية البريطانية والحكومة الأمريكية وظائفهم لأنهم تشربوا بأفكار الاقتصاد الكلاسيكي العتيقة البالية.
إن أفكار الاقتصاديين والفلاسفة السياسيين أقوى مما يعتقد الناس عادةً، سواء كانوا مخطئين أم مصيبين. فالعالم لا يحكمه عادة سواهم. أما الممارسون الذين يظنون أنفسهم في منأى عن أي تأثيرات فكرية فعادة ما يكونون عبيدًا لاقتصاديين بائدين. أما المجانين الذين في السلطة – الذين تحركهم الأوهام – يستقون جنونهم من بعض الأكاديميين عديمي القيمة. إنني واثق من أن قوة المصالح الخاصة مبالغ فيها جدًا مقارنة بالطغيان المتدرج للأفكار. فالأفكار لا تلعب دورها هذا على الفور وإنما تأخذ بعض الوقت، هذا لأن الذين يتأثرون بنظريات جديدة بعد بلوغ سن الخامسة والعشرين أو الثلاثين في مجال الفلسفة الاقتصادية والاجتماعية ليسوا كثيرين. وهكذا لا يُرجَح أن تكون الأفكار التي يطبقها الموظفون العموميون والسياسيون بل وحتى الدعاة المحرضين على الأحداث الجارية أحدث الأفكار. لكن الأفكار وليس المصالح الخاصة – آجلًا أو عاجلًا – هي التي تشكل خطورة كبيرة سواء للخير أو الشر” جون ماينرد كينز – النظرية العامة للتوظيف والفائدة والنقود
وبظهور الكتاب يمكن الاعتبار أن هذا كان إيذانًا بتدشين المدرسة الكينزية في الاقتصاد والتي ادَّعت أن آليات السوق الحر والقطاع الخاص قد تعجز عن القضاء على مشاكل الاقتصاد وحدها. كما تُقِر بأن الإنفاق الحكومي أداة هامة تدفع الاقتصاد لمعالجة أوجه القصور التي قد تنتابه. ومنذ ذاك الحين أصبحت الحكومات مسؤولة عن الأداء الاقتصادي للدولة، وظهر ما يسمى بالاقتصاد الكلي، مع بقاء مفاهيم الاقتصاد الجزئي في مجملها على حالها، خاضعة للنظرية الكلاسيكية.
أما عن أهم النظريات الاقتصادية التي أتت بها المدرسة الكينيزية فنتطرق إليها بالتفصيل في المقال القادم.
- https://www.topuniversities.com/university-rankings/world-university-rankings/2018
- https://www.cam.ac.uk/research/research-at-cambridge/nobel-prize
المراجع
Mini, P. V. (1991). Keynes, Bloomsbury and the general theory. Springer.
Keynes, J. (1978). THE ROYAL COMMISSION ON INDIAN FINANCE AND CURRENCY 1913–1914.
E. Johnson & D. Moggridge (Eds.), The Collected Writings of John Maynard Keynes.
Vishnu Padayachee & Bradley Bordiss (2013) Barbaric gold and civilized banking: Keynes’s Indian Currency and Finance. A view from the South after 100 years, International Review of Applied Economics, 27:6, 822-833,.
أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين، تأليف تود جي باكولز، ترجمة كوثر محمود محمد، حسين التلاوي، دار النشر : كلمات عربية للترجمة والنشر
تاريخ التحليل الاقتصادي، تأليف: جوزيف أ. شومبيتر، ترجمة حسن عبد الله بدر. المشروع القومي للترجمة (2006) الطبعة الأولى، المجلد الثالث، العدد 832