حالات الميزانية
نستكمل اليوم حديثنا السابق عن الموازنة العامة للدولة وعلى سبيل التبسيط دعنا نبدأ أولًا بالحديث مرة أخرى عن ميزانية صديقنا المحاسب – الذي ذكرناه في مقالنا السابق عن الموازنة – والتي تتكون من دخله (مرتبه) ونفقاته (الطعام، الإيجار، الفواتير) إذا نظرت عن قرب إلى ميزانية صديقنا (وميزانية أغلب الشباب) على مدار العام نجد أنه قد يمر بثلاث سيناريوهات محتملة:
السيناريو الأول
صديقنا رجل أعزب يحصل على دخل مقداره 3000 جنيه مصري شهريًا, في المقابل نفقاته قليلة كونه يعيش بمفرده، فينفق ما يساوي 2800 جنيه فقط ليتبقى لديه فائض قد يقوم بادخاره في حسابه البنكي، أو قد يذهب ليشارك صديقًا له في محله الصغير الذي قد يُدر عليه عائدًا – استثمار- أو ربما حتى يسدد عن نفسه جزءًا من دَين عليه .
السيناريو الثاني
الرجل كما هو بدخله الثابت والذي يساوي 3000 جنيه، لكنه مرض واضطر أن يشتري دواءً بمبلغ 200 جنيها؛ بالتالي في نهاية الشهر وجد أنه قد صرف 3000 جنيه كاملة ولم يتبق لديه شيء في آخر الشهر.
السيناريو الثالث
الوضع يزداد سوءًا مع ارتفاع معدلات التضخم وبالتالي تصبح تكلفة المعيشة أعلى من مقدار دخله (أي أن صعود الأسعار جعله يحتاج 3500 جنيه عوضا عن 2800 كل شهر)؛ فدخل صديقنا في هذه الحالة لم يعد يكفي لتلبية رغباته ونفقاته الشهرية المعتادة، هنا قد يُضطر هذا الرجل إلى الاقتراض من بعض أقربائه أو أن يسحب من مدخراته حتى يسد هذا العجز ويكمل الشهر على ما يرام.
دعونا نلخص السيناريوهات الثلاث في هذا الجدول
نحو ميزانية أكبر : الموازنة العامة للدولة
الدولة ببساطة مثلها مثل صديقنا المحاسب، فهي إما كالحالة الأولى إيراداتها أكثر من نفقاتها – فائض الموازنة، أو كالسيناريو الثاني -وهو الأصل والمطلوب- تمتلك موازنة متوازنة أي أن نفقاتها تتساوى مع موارد دخلها، أو كالسيناريو الثالث -كما هو الحال في معظم الدول– بأن تكون لديها ميزانية تزيد فيها النفقات على الإيرادات الحكومية وبالتالي يحصل ما نسميه: عجز الموازنة
دعونا الآن نمر على كل حالة بقليل من التفصيل:
فائض الموازنة
يحدث فائض الموازنة عندما يكون ما يدخل للحكومة من إيرادات أكثر مما تخرجه من خزينتها كنفقات بمختلف أشكالها. ولكن كيف يمكن أن تزيد إيرادات الدولة عن نفقاتها؟ يمكن أن يحدث هذا إذا كان نمو الدولة كبيرًا مما يؤدي إلى ارتفاع عائدات الدولة من الضرائب؛ فوجود فائض الموازنة لدى الحكومة يدل على أن الحكومة تعمل بكفاءة, ويمكن للدولة أن تستخدم هذا الفائض أو هذه الزيادة (كصديقنا المحاسب) فإما تدخره و إما أن تستثمر هذا الفائض في مشروعات البنية التحتية؛ مثل: تحسين شبكات النقل والمواصلات العامة وأخيرًا بإمكانها أن تسدد جزءا من ديونها .
إذن، هل هناك دول لديها هذه الميزة؟! نعم، بالطبع هناك عدة دول لكنها قليلة؛ فعلى سبيل المثال: لدينا دولتي مالطة والنرويج, فدولة مالطة في عام 2015 بلغ فائض الموازنة لديها بما يقرب 6.6 % من إجمالي الناتج المحلي (وهذا يعني أنه في آخر السنة يفيض من ميزانيتها مبلغ يعادل نسبة 6.6 % من ناتجها المحلي ولدينا دولة عربية واحدة فقط التي تمتلك فائض موازنة وهي دولة قطر.
والآن يمكننا الانتقال للسيناريو الثاني؛ والذي يعرف بـــ:
عجز الموازنة
يعتبر عجز الموازنة هو الحالة الأكثر انتشارًا بين دول العالم، والعديد من الدول حتى تلك التي تعتبر قوى اقتصادية كبرى تعاني من عجز في موازناتها؛ فعلى سبيل المثال: امتلكت الولايات المتحدة الأمريكية عجز موازنة يقدر ب 2.4 % من إجمالي الناتج المحلي وذلك في عام 2015 ويمكن رصد العديد من الدول القوية اقتصاديا ومع ذلك تكون موازنتها دائما في حالة عجز كالصين وفرنسا مثلا.
إجمالًا يحدث عجز الموازنة إما بسبب إهدار موارد الدولة، أو بسبب نقص إيراداتها أو قلة مواردها, ولكن كيف يحدث هذا الإهدار في الموارد وكيف تنقص إيرادات الدولة؟؟!! و كيف تتصرف الدولة في حالة حدوث عجز؟ هل تضطر إلى الاقتراض مثل صديقنا المحاسب أم أنها لا يمكنها فعل هذا؟
هذا ما سنتعرف عليه بالتفصيل في المقال القادم.