ألم تسأل نفسك يومًا ماذا يريد منا هؤلاء الاقتصاديون بأرقامهم الكبيرة ومصطلحاتهم المنمقة؟ وما الذي يريدون فعله باقتصادنا؟ وما هي أهدافهم؟
بداية.. دعونا نتحدث عن بعض ما يعتبره الاقتصاديون مهما لتحسين الوضع الاقتصادي في بلد ما، وبساطة ما الذي سيجيب به الاقتصاديون إذا سألهم رئيس دولة ما عمّا يجب تحقيقه ليُحَسّن من اقتصاد دولته؟
الضلع الأول: تحقيق أعلى نسبة ممكنة من النمو الاقتصادي
في البداية يجب أن نعلم أن النمو الاقتصادي يأتي عن طريق الزيادة في إنتاج السلع والخدمات داخل الدولة، فمثلًا عندما يكون لدينا مصنع ملابس جهز في سنة 2015 (1000) قطعة، وفي سنة 2016 جهز (1200) قطعة، إذًا نُسمي هذه الزيادة (نموًا بنسبة 20%).
لكن ما النفع الذي يحققه النمو على الاقتصاد؟
- الأمر الأول هو أن ذلك يعني توفّر السلع التي يحتاجها الناس، بشكل كبير، مما يجعل سعرها منخفضًا.
- الأمر الثاني وهو أن الإنتاج في حاجة إلى أيدٍ عاملة، بالتالي فزيادة الإنتاج تذلل سبل العمل لطبقة كبيرة كانت عاطلةً عن العمل من قبل.
- هذه الزيادة تؤثر على الجميع بالإيجاب، فسيصبح لدى العمال الجدد راتب ينفقونه في شراء السلع والخدمات، وبالتالي يزداد الطلب على السلع مما يحفز الشركات والمصانع على الإنتاج أكثر، وبزيادة هذا الإنتاج ستحتاج هذه الأخيرة إلى توظيف عمالة أكثر، وبالتالي يدخل الاقتصاد في حالة من التحسن في كل مستوياته
الضلع الثاني: تقليل البطالة بأكبر شكل ممكن
أما عن تقليل نسبة البطالة، نتيجته واضحة؛ لما للبطالة من أضرار على الفرد والمجتمع والدولة .
فالفرد الذي يعمل يستطيع أن يعيش حياة سوية، ويمكنه فيها أن يلبي حاجاته ورغباته الأساسية.
وبالنسبة للمجتمع، فالفرد السوي المنتج يكون أبعد عن اللجوء للطرق غير السوية في الكسب، مما يقلل من معدلات الفقر والجريمة والإدمان وباقي الظواهر التي تؤثر عليه بالسلب.
أما عن الدولة، فتقليل البطالة يقلل من أعبائها كمحاربة الفقر والجريمة، كما يزيد من إيراداتها الضريبية؛ فالفرد العامل يحصل على دخل يدفع من خلاله ضرائبها، ويمكنها من تقديم خدمات أفضل تزيد من رفاهية المواطنين.
الضلع الثالث: تقليل معدل التضخم
يؤدي انخفاض معدل التضخم إلى استقرار الأسعار وعدم ارتفاعها بشكل كبير، وبالتالي يحافظ الفرد على قدرته الشرائية ومستواه المعيشي؛ مما يقِي الطبقات الاجتماعية ذات الدخل الثابت من الوقوع في مأزق الفقر.
أما بالنسبة للدولة، فالاقتصاد الذي يكون فيه معدل التضخم مستقرًا يصبح بيئة خصبة لتشجيع الاستثمارات الجديدة.
الضلع الرابع: تحقيق التوازن في ميزان يسمى بميزان المدفوعات
يُعرَّف ميزان المدفوعات للدولة بأنه سجلٌ لكافة المعاملات الاقتصادية الخارجية التي تتم بين المقيمين في دولة معينة والمقيمين في الخارج خلال فترة زمنية معينة.
فالدول يرتبط بعضها ببعض في كل فترة بعدد من العمليات المتنوعة والمتشعبة، فهي تبيع وتشتري من بعضها البعض، وتقدم لبعضها شتى أنواع الخدمات، كالهبات التي تُمنح وتُؤخذ والمبالغ التي تنتقل والقروض التي تُمنح وتُسدد، كل هذا يسجله ميزان المدفوعات في بيان يوضع دوريًا (عادة يكون سنويًا).
وتأتي أهمية التوازن في العلاقات مع الدول الأخرى في كونه يقدم معلومات هامة عن درجة ارتباط الاقتصاد القومي باقتصادات العالم الخارجي، ويقدم مساعدة لواضعي السياسات الاقتصادية في توجيه أمور البلاد.
يمكن اعتبار هذه الأهداف الأربعة هي الأهداف التي ينبغي على كل حكومة أن تسعى لتحقيقها في المجال الاقتصادي، ورغم أن تحقيقها كلها جُملةً واحدة أمر صعب للغاية؛ لأن بعضها متعارض مع بعضه (البطالة والتضخم كمثال) لكنها تظل وسيلة جيدة لفهم ما يسعى الاقتصاديون لتحقيقه، ولتقييم عمل الحكومات في المجال الاقتصادي.
يبقى أن نذكر أن هذه الأهداف حددها الاقتصادي نيكولاس كالدور وأطلق عليها اسم (المربع السحري).
لماذا سحري؟ ربما لأن تحقيق كل أهدافه أمرٌ صعب المنال، أو لأن تحقيق كل هذه الأهداف يفترض أن يحل كل المشاكل الاقتصادية بطريقة سحرية؟ ربما…
كيف تساهم الحكومة في تحقيق هذه الأهداف؟
كي تحقق الحكومة هذه الأهداف الأربعة، تستخدم مؤسسات الدولة، وهي تُقَسّم إلى ثلاث مؤسسات هامة:
- خزينة الدولة: عبر استخدام موارد الدولة في الإنفاق الحكومي بمختلف أنواعه عبر موازنة الدولة.
- الجهاز الضريبي: حيث تجمع الضرائب من المواطنين؛ كي يتم استخدامها في مختلف الأمور.
- البنك المركزي: حيث يتحكم البنك المركزي في سعر الفائدة، وفي كمية النقود المتواجدة في الاقتصاد بحيث يحقق أهدافًا محددة.
بالتالي، تضع الحكومة خططًا محددة، تستخدم فيها وسائل كالموازنة والضرائب لتحقق الأهداف الاقتصادية المذكورة في المربع السحري، ويدخل هذا في إطار ما يسمى بـالسياسة الاقتصادية.
فما هي السياسة الاقتصادية للدولة؟
السياسية الاقتصادية هي مجموعة القرارات التي تتخذها الحكومة، مستخدمة في ذلك مختلف الوسائل (الضرائب، سعر الفائدة، الإنفاق الحكومي، الخزينة، الجهاز الضريبي، والبنك المركزي) لتحقق أهدافًا محددة، كأهداف المربع السحري؛ وذلك لتحقيق تحسن ملموس في الوضع الاقتصادي.
هذا ببساطة ما يريد الاقتصاديون تحقيقه.
في المقالات القادمة سنتناول السياسة الاقتصادية بتفصيل أكثر، وسنبيّن مقاصدها العامة وأدواتها ونتائجها المحتملة.
فتابعونا!