الاقتصاد الصيني … كيف تحولت الصين إلى العملاق الذي نعرفه اليوم
الاقتصاد الصيني : مقدمة قصيرة
تُعَدُّ التجربة الصينية من النماذج الدولية المميزة والفريدة من نوعها، وذلك بفضل المعجزة الاقتصادية التي تم تحقيقها في وقت قصير، حيث نجح الاقتصاد الصيني في أن يصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية[1] بناتج محلي إجمالي بلغ حوالي 10.35 تريليون دولار أمريكي[2] في عام 2014 وفقًا لإحصائيات البنك الدولي، كما تُعَدُّ الصين أسرع اقتصاد نامٍ خلال الثلاثين سنة الماضية بمعدل نمو سنوي تخطى 10% ولكنه تقلص خلال السنتين الأخيرتين ليبلغ حوالي 7.3% مع تكهنات باستمرار التراجع في النمو خلال السنوات القادمة ليعكس الوضع الحقيقي للاقتصاد الصيني.
لا شك أن الصين مرت بالعديد من المراحل الشاقة لتتمكن من التحول من الاقتصاد المخطط أو المركزي الذي لم ينجح في تحقيق أهداف التنمية المرجوة إلى اقتصاد السوق القائم على المنافسة شبه العادلة، حيث ساعدت سياسة اللامركزية على رفع معدلات النمو الاقتصادي بفضل حصول حكومات المناطق المحلية على حق الحكم الذاتي بالإضافة إلى تعاظم دور القطاع الخاص ومساهمته في الحياة الاقتصادية.
يتم تصنيف الصين ضمن الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل وفقًا للبنك الدولي، حيث بلغ نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في عام 2014 حوالي7400 دولار أمريكي، ولا تُذكَر الصين دون الإشارة إلى كونها أكبر دولة على مستوى العالم من حيث التعداد السكاني، والذي بلغ 1.357 بليون نسمة ينتمون إلى ست وخمسين قومية عرقية مختلفة، بمعدل بطالة 4.1% وذلك في عام 2013.
تبلغ المساحة الكلية للصين حوالي 9.6 مليون كيلومتر مربع، ويعد اليوان الصيني هو العملة الرسمية للبلاد، ويرجع إعلان قيام الجمهورية الصينية الشعبية إلى عام 1949 وعاصمتها بكين، بينما تُعتبر مدينة شانغهاي هي الأكبر بين المدن الصينية، والمندرين هي اللغة الرسمية للبلاد.
خطة البحث
يحاول البحث إلقاء الضوء على مجموعة من المحاور المفسِّرة للتجربة الاقتصادية الصينية، وهي:
- لمحة تاريخية عن التطور الاقتصادي الصيني.
- القطاعات الاقتصادية الرائدة في الصين.
- مقومات وتحديات الاقتصاد الصينيي
في الجزء الأول من هذا البحث سنقوم بإعطاء لمحة عن التطور الاقتصادي الصيني
لمحة تاريخية عن تطور الاقتصاد الصيني
لقد مرَّ الاقتصاد الصيني بعدة مراحل منذ إعلان قيام الجمهورية الصينية الشعبية في عام 1949، وتميزت كل مرحلة بمجموعة من الخصائص التي ساهمت بشكل كبير في تطور الاقتصاد الصيني ونموه لينجح في السيطرة على جزء لا يستهان به من الاقتصاد الدولي والوصول إلى مرحلة متقدمة من المساهمة في رسم التوجهات العالمية وذلك بالشراكة مع مجموعة من القوى الاقتصادية والسياسية العظمى، ولعل من أبرز تلك المراحل :
- النموذج الاشتراكي والاقتصاد المركزي (1949-1977)
- التحرر الاقتصادي وسياسات الإصلاح (1978- 1988)
- تجميد الإصلاح (1989- 1991)
- استئناف الإصلاح ( 1992- الوقت الحاضر)
من الجدير بالذكر أن الاقتصاد الصيني شهد العديد من الأحداث والتحولات الكبيرة منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى عام 1949 حيث قيام ثورة ماوتسىتونج [3] Mao Tse-tungوبداية مرحلة البناء الاشتراكي.
تتمثل أبرز التطورات التي شهدها الاقتصاد الصيني خلال القرن التاسع عشر في خروج الصين من عزلتها الاقتصادية وزيادة الانفتاح الاقتصادي واتساع التجارة مع الغرب بشكل كبير وذلك نتيجة لهزيمة الصين في صراعها ضد بريطانيا والذي نشأ في الفترة ما بين عامي 1839-1842 والمعروف بــ”حرب الأفيون” مما أجبر الصين على تقليل القيود على التجارة التي طالما فرضها نظام الكوهنج[4]. أدى التغلغل الغربي في الصين إلى التحول إلى الرأسمالية بشكل مفاجئ و غير مدروس وبالتالي انهار الاقتصاد الصيني في غضون سنوات قليلة وأصبحت دولة فقيرة شبه مستعمرة مما ساعد على انتشار الفوضى وتمرد كافة أطياف الشعب فتولدت ثورة عام 1911 والتي انتهت بإسقاط النظام الملكي الديكتاتوري وأعلنت الجمهورية في عام 1912.
وبدلًا من أن يستقر الوضع السياسي في الصين ازدادت الأمور سوءًا ونشبت نيران الحرب الأهلية، وما إن بدأت الأوضاع في الاستقرار حتى وقع الغزو الياباني لمنشوريا في عام 1931 وتلاه اندلاع الحرب الصينية اليابانية الثانية في الفترة بين عامى1937 و1945 وبهزيمة الصين لليابان بدأ صراع من نوع آخر بين الحكومة الصينية وميليشيات الحزب الشيوعي وانتهى عام 1949 بسيطرة الجيش الأحمر التابع للحزب الشيوعي على الحكم وإعلان ماو تسىتونج قيام جمهورية الصين الشعبية.
-
النموذج الاشتراكي والاقتصاد المركزي (1949-1977)
مع إعلان قيام الجمهورية الصينية الشعبية عام 1949 بدأت الحكومة في بناء النموذج الاشتراكي القائم على الحكم المركزي، فعلى الرغم من إصرار “ماو” على أن هدف الحكومة هو تنظيم الرأسمالية وليس تحطيمها إلا أن الواقع كان مخالفًا لتلك التصريحات حيث اختفت الشركات الخاصة وحلت رأسمالية الدولة البيروقراطية محل الرأسمالية الخاصة. قام “ماو” بتطبيق النموذج الاقتصادي السوفيتي بغرض تأسيس نموذج اشتراكي مكثف للنمو الاقتصادي والاجتماعي ومن هنا نشأت فكرة التخطيط متوسط المدى أو الخطط الخمسية[5] وهو الأسلوب المعتد به فى الصين حتى يومنا هذا. تميزت مرحلة البناء الاشتراكي بإعادة تنظيم الفلاحة والتحول نحو اقتصاد زراعي موجه مركزيًا، حيث تم تجميع الأراضي الزراعية في شكل جمعيات تعاونية كبيرة تتكون كل جمعية من 1200 أسرة ريفية تنعدم لديها الملكية الخاصة تمهيدًا لتأسيس اشتراكية زراعية كاملة.
كما تم الاعتماد على الصناعات الأساسية والتجهيزية والثقيلة، حيث تركزت الخطة الخمسية الأولى (1953-1957) على استراتيجية الصناعات الثقيلة وخاصة تلك المرتبطة بالدفاع الوطني بهدف تحويل الصين من بلد زراعي متخلف اقتصاديا إلى دولة صناعية, وكان ذلك بدعم تكنولوجي وتقني وتمويلي من الاتحاد السوفيتي ولكن تلك الإستراتيجية كان بها خلل ظهر في انخفاض معدل نمو الناتج المحلي، حيث بلغ معدل النمو في عام 1953حوالي 15.6% بينما انخفض إلى 5.1% في عام 1957[6] ويرجع هذا الانخفاض في معدل النمو إلى عدم ملائمة الاستراتيجية السوفيتية المطبقة للوضع في الصين، حيث تم التركيز على الصناعات الثقيلة كالحديد والصلب وإهمال القطاع الزراعي والصناعات الخفيفة كمرحلة وسطى من مراحل التطور الصناعي مما أدى إلى إعادة بلورة أسس التنمية الاقتصادية الجديدة في الصين والقائمة على مبدأ الاعتماد على الذات لتحقيق الاشتراكية فتم اعتماد الخطة الخمسية الثانية أو ما سُمي بــ”استراتيجية القفزة الكبرى للأمام” في الفترة ( 1958-1962) ومن أهم أفكارها: تحرير طاقة الجماهير, القضاء على البيروقراطية, والاستغناء عن النماذج، وكان الدافع ورائها هو إلغاء اتفاقيات التعاون بين كلًا من الصين والاتحاد السوفيتي وتوقف المعونات السوفيتية للصين.
قامت استراتيجية القفزة الكبرى على مجموعة من المبادئ أهمها التطوير الشامل بمعنى تطوير جميع القطاعات واعتناق مبدأ اللامركزية الإدارية كتشجيع الوحدات الدنيا على اتخاذ القرارات كما تم تشكيل الكميونات شعبية The people’s Commune والتي جاءت نتيجة دمج عدد من الوحدات الاقتصادية الصغيرة تعاونيات اشتراكية كبيرة فهي نظام إداري يجمع بين النشاط الصناعي والزراعي والتعليم والثقافة، ولكن التطبيق الفعلي لهذه الاستراتيجية نجم عنه أزمة كساد كبيرة فقد كان مطلوب من الكميونات أن تسلم حوالي ثلث إنتاجها كضريبة للدولة وترك الباقي كغذاء المجمع السكنى لكل كميونة وبالرغم من حدوث جفاف في تلك الفترة إلا أن أنصار “ماو” المقربين كانوا ينقلون أخبار عن زيادة إنتاج الحبوب بأرقام كبيرة وبذلك فقد وصل الأمر لأن يدفع الكميون معظم إنتاجه كضريبة للدولة نتيجة تضخم نسبة الثلث تبعا لأرقام الإنتاج المبالغ فيها, مما أدى لانخفاض كبير في القدرة الشرائية وقلة الموارد المتاحة للإنتاج الزراعي وحدوث مجاعة في الوقت الذي كانت مخازن الحبوب في الدولة ممتلئة, قُدِّرت أعداد الوفيات نتيجة الأمراض ونقص التغذية في تلك الفترة حسب الأرقام الرسمية ما يقرب من 30مليون حالة[7]
عندما أدرك “ماو” أن استراتيجية القفزة الكبرى ليست ناجحة عمليا, تنحى عن رئاسة الجمهورية لصالح ليوشاوتشي Liu Shaoqi أحد قادة التنظيم الشيوعي قبل الثورة, واكتفى بكونه زعيمًا للحزب الشيوعي الحاكم.
وفى نفس العام توالت الانتقادات للاستراتيجية وسوء إدارتها خاصة من كبار قادة الحزب فقد كان الموقف السياسي متوترا نتيجة سعى الحزب لتخطى فشل تطبيقها, مما أدى لحركة تطهير ضد أعداء “ماو” خاصة من هم داخل الحزب الحاكم[8].
انهمكت الحكومة الصينية في الفترة (1963-1966) في دراسة أسباب فشل تلك الإستراتيجية والسبيل إلى إيجاد منهج ملائم لتحقيق نمو القوى الإنتاجية مما نتج عنه انتهاج استراتيجية الثورة الثقافية[9] (1966-1976) تم خلالها تطبيق الخطتين الخمسيتين الثالثة (1966- 1970 ) والرابعة (1971- 1976 )[10]
كانت السمة الأساسية لاقتصاد الصين خلال فترة الثورة الثقافية هي الاعتماد على الذات فقد اهتمت الدولة في البداية بالحدِّ من الاستهلاك الفردي في سبيل تعزيز الاستثمار, قد تسبب هذا الاتجاه في تعطيل الاقتصاد في البداية حيث انكمش معدل نمو الناتج المحلي ب- 5.5% و -4.1% عامي1967و1968 على الترتيب لكنه عاود النمو بقوة خلال العاميين التاليين ويرجع ذلك لتعبئة الموارد الإنتاجية بالإضافة لإعادة النظام بعد إبعاد مجموعات الحرس الأحمر إلى الريف في 1968, وقد حدث زلزال كبير فى عام 1976 إلى جانب وفاة ماووإندلاع اضطرابات سياسية فى العام ذاته ، مما ادى لتراجع النمو
1976 |
1975 |
1974 |
1973 |
1972 |
1971 |
1970 |
1969 |
1968 |
1967 |
1966 |
العام |
-1.6 |
8.7 |
2.3 |
7.9 |
3.8 |
7 |
19.4 |
16.9 |
-4.1 |
-5.7 |
10.7 |
معدل النمو الاقتصادي |
انتهت الثورة الثقافية بموت ماو 1976 وتلا ذلك عامان من الصراع على السلطة إلى أن تولى دينجشياوبنج Deng Xiaoping سدة الحكم فدخلت الصين مرحلة جديدة من التحول فقد كانت خلال الفترة من 1949- 1978 دولة فقيرة اقتصاديًا، ولم يكن هناك وجود للاستثمار الأجنبي فيها قبل عام 1978، كما أن إسهامها في التجارة العالمية كان نسبة قليلة جداً لا تتناسب مع دولة بحجمها.
2. التحرر الاقتصادي وسياسات الإصلاح (1978- 1988)
بدأت الصين في هذه الفترة بتطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي وانتقلت إلى مرحلة متقدمة اقتصاديًا مختلفة عما حدث قبل 1978, فخلال انعقاد المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني في نفس العام وتم الاتفاق على القيام بإصلاحات اقتصادية منها:
- العمل على جعل الاقتصاد الصيني أكثر قدرة على التكيف مع تغيرات الاقتصاد العالمي والاندماج فيه.
- إعادة النظر في أولويات التنمية فالقطاع الزراعي يأتي أولا يليه الصناعي فالبحث العلمي ثم الدفاع.
- إعادة هيكلة قطاعات الإنتاج والسماح بالمشروعات الخاصة مع احتفاظ الدولة بالسيطرة على الصناعات الثقيلة والطاقة والتعدين.
- السماح بدرجة استقلالية أكبر للمؤسسات الإدارية بعيدًا عن بيروقراطية الحزب الحاكم.
- تشجيع القطاع السياحي.
- السعي للانضمام للهيئات المالية والتجارية الدولية.
كما قدم دينج خلال مؤتمر الحزب الحاكم في 1982 فكرته عن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية[11] وضرورة التحول نحو “اشتراكية السوق” [12]بمعنى نظام اقتصادي تكون فيه وسائل الإنتاج ذات ملكية عامة, تعمل من أجل الربح في إطار اقتصاد السوق وتستخدم الأرباح في تحديد أجور العاملين, وكمصدر تمويل عام.
وكان دينج يرى أن تحصل الصين على التكنولوجيا ورؤوس الأموال التي تحتاجها الصين من أجل نهضتها، وأعلنت الصين أن الانفتاح على العالم الخارجي يعد من السياسات الرئيسية التي تتمسك بها الصين، بالإضافة إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية والتكنولوجيا المتقدمة، ودراسة التجارب الناجحة في التخطيط والإدارة الاقتصادية في الدول الأجنبية، وتشجيع مؤسسات الدولة للمشاركة في المنافسة بالأسواق العالمية وتعزيز تعميق الإصلاح الداخلي والتنمية الاقتصادية[13].
وقد شهدت هذه الفترة بداية النهضة الاقتصادية لجمهورية الصين الشعبية وتم تحقيق العديد من الانجازات فقد وُضعت استراتيجية تنموية ملائمة لواقع الصين من ثلاث خطوات وحدد مدة زمنية قدرها 70 سنة لتحقيق أهدافها, وركز خلال الخطوة الأولى أن يتم توفير الغذاء والكساء لكافة المواطنين خلال فترة 10 سنوات ونجحوا في تحقيق هذا الهدف قبل نهاية الثمانينات وتمثلت الخطوة الثانية في مضاعفة الناتج المحلي بـــــــ4 أضعاف في نهاية القرن العشرين وقد وصل للمعدل المطلوب منتصف التسعينات، أما الخطوة الثالثة فكانت زيادة معدل دخل الفرد ليصل لنظيره في الدول متوسطة النمو عام 2050 [14]
بدأت التحركات الفعلية لتحقيق رؤية دينج بالانفتاح على العالم واستقدام التكنولوجيا من الدول المتقدمة خاصة الغربية منها، فتم توقيع الصين لمعاهدة السلام والصداقة مع اليابان في عام 1978، وخلال زيارة للولايات المتحدة عام 1979 تمكن من إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة ثم تحسنت علاقة الصين تدريجيًا مع الاتحاد السوفيتي بعد انقطاع طويل، بالإضافة لتشجيع الشباب الصيني للدراسة في الخارج.
كما تم البدء في إصلاح القطاع الزراعي أولا كمدخل للتنمية فأُلغيت الكميونات الشعبية وتم توزيع الأراضي على العائلات كما أصبح مسموحا للفلاحين باختيار أنواع المحاصيل التي يرغبون بزراعتها وقد ساهمت هذه الإصلاحات في زيادة الإنتاج الزراعي بنسب كبيرة يوضح الشكل (1) إنتاج القمح في الفترة 1977-1984.
وقد أقرَّ الحزب الحاكم عام 1984 مجموعة من الإصلاحات تقوم على اللامركزية في إدارة المشروعات العامة خاصة فيما يتعلق بسياسات التسعير والعمالة,كما أصبح من حق المقاطعات المحلية أن يكون لها ممثلين تجاريين في الخارج وفٌتح المجال أمام إقامة المشروعات الخاصة والمشتركة مع الاستثمارات الأجنبية، وقد ساهمت الإصلاحات في كل من القطاع الزراعي والصناعي وبالإضافة لسياسات الانفتاح على العالم في دفع عجلة التنمية في الصين ورفع معدلات النمو.
وفي منتصف الثمانيات تسارع معدل النمو تزامنا مع الإصلاحات الاقتصادية إلى أن بدأت الضغوط التضخمية في الظهور عام 1988 مما دفع الرئيس لحث المسؤولين على إيجاد حل للمشكلة والقيام بإصلاحات سعرية ومواجهة العقبات التي تعترض مسيرة الإصلاح والنمو الاقتصادي, خاصة أنها أصبحت خارج السيطرة مما يتطلب سرعة تحقيق استقرار الأسعار للوصول لمعدلات تضخم مقبولة.
1988 |
1987 |
1986 |
1985 |
1984 |
1983 |
1982 |
1981 |
1980 |
1979 |
1978 |
العام |
11.3 |
11.7 |
8.9 |
13.6 |
15.2 |
10.8 |
9 |
5.2 |
7.8 |
7.6 |
11.9 |
معدل النمو |
12.1 |
5.1 |
4.7 |
10.2 |
5 |
1.2 |
-0.1 |
2.3 |
3.8 |
3.6 |
1.9 |
معدل التضخم |
3. تجميد الإصلاح (1989- 1991)
أدت إجراءات الانفتاح السريع والإصلاح الاقتصادي إلى موجة من الاضطرابات وقيام واحدة من أشهر المظاهرات في ميدان تيانانمين”Tiananmen“, فارتفاع معدلات التضخم وانتشار الفساد وارتفاع التوقعات بحدوث تغيير سياسي واقتصادي, ساهم في زيادة الغضب الشعبي والاحتجاجات.
وقد اضطرت الحكومة الصينية في نهاية عام 1988 إلى تجميد الإجراءات الإصلاحية للتمكن من السيطرة على معدلات التضخم المرتفعة والناتجة عن سياسة التخزين التي اتبعها محتكرو السلع الناقصة، من أجل رفع أسعارها و بالتالي جنيهم لمزيد من الأرباح.
لقد كان أصحاب الأجور الثابتة كالعمال والفلاحين وصغار الموظفين أكثر المتضررين من جرَّاء موجة التضخم. وفى عام 1989 تصاعدت حدة الاعتراض الشعبي على السياسات الحكومية الصينية والتي تعارضت مع مفاهيم الديمقراطية وسعت لتقييد الحريات، مما فجر مجموعة من المظاهرات الحاشدة التي قادها مجموعة من الطلاب والعمال في الميدان الذي يُعدُّ أحد أهم ميادين العاصمة بكين اعتصم المتظاهرون لمدة 7 أسابيع في الميدان مما ساعد على انتشار موجة المظاهرات والاعتصامات إلى حوالي 400 مدينة في شتى أنحاء الصين.[15]و مع مرور الوقت أدركت الحكومة الصينية أن العودة مره أخرى إلى الإصلاحات الاقتصادية والسياسية شيء لا مفر منه وخاصة بعد الهزة القوية التي شهدها الاقتصاد العالمي في عام 1991 عندما انهار الاتحاد السوفيتي.
وفي بداية عام 1992 قام دينج بزيارة بعض المناطق الاقتصادية في جنوب الصين كما أعاد التأكيد على استئناف الإصلاح الاقتصادي وأوضح أنه “لا يهم إذا كانت السياسات المتبعة اشتراكية أو رأسمالية, طالما أنها ستعزز التنمية” فالتنمية هي الثابت الوحيد الذي يجب السعي لتحقيقه أيًّا كانت نوعية السياسات المتبعة [16]
4. استئناف الإصلاح (1992- الوقت الحاضر)
بحلول عام 1992 انتهى التقشف وعادت الصين مره أخرى إلى تطبيق برامج الإصلاح مع التأكيد على تمسك الصين بالملامح الاشتراكية ودمجها قدر الإمكان بالعناصر الاقتصادية الرأسمالية التي تتوافق مع توجهات السوق العالمي التي تغيرت بشكل كبير بفعل قوى العولمة، وفي عام 1995 نجحت الصين في تحقيق الهدف الاستراتيجي التي خططت له قبل ميعاده بخمسة سنوات، حيث استطاعت أن تزيد قيمة الناتج المحلي الإجمالي أربعة أضعاف ما كان عليه في عام 1980، حيث بلغ الناتج المحلي في عام 1995 حوالي 5760 مليار يوان مما شكَّل قفزة كبيرة في تاريخ التنمية الاقتصادية في الصين، كما نجحت في زيادة دخل الفرد من390 دولار إلى 7820 دولار خلال الفترة (1992-2015)
وبهذا النجاح سعت الصين بخطى واثقة في نفس العام نحو الانضمام لمنظمة التجارة العالمية وإجراء المزيد من الإصلاحات الاقتصادية حيث بدأ التحرر الفعلي في عام 1997 مع الالتزام بتمتع الحكومة بقدر عالي من الرقابة متمثل في الحفاظ على رأسمال كافة قطاعات الدولة دون نقصان وعلى الرغم من انفجار الأزمة الآسيوية في نفس العام، إلا أن الصين كانت من ضمن الدول الأقل تضررا جراء الأزمة بفضل الفائض التجاري الذي كان لديها آنذاك، حيث بلغت قيمة الاحتياطي من العملات الأجنبية حوالي 140 مليار دولار، بالإضافة لاستمرار التدفقات الاستثمارية وانخفاض مقدار الديون قصيرة الأجل الأجنبية، حيث لم تتأثر الصين سوى بانخفاض قيمة عملات الدول المجاورة مما انعكس سلبًا على القدرة التنافسية لصادراتها إلى تلك الدول، وفي عام 2001 نجحت الصين في أن تصبح عضوًا رسميًا في منظمة التجارة العالمية وعلى الرغم من أن عضوية الصين في منظمة التجارة العالمية تضمنت الكثير من الضغوط والتضحيات من جانب الحكومة، إلا أن الاتفاقية المذكورة تشمل أيضًا جوانب عدة إيجابية منها استقرار العلاقات الاقتصادية الخارجية، وتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي بشكل أفضل، ورفع معدلات النمو الاقتصادي.
في عام 2005 وبنهاية الخطة الخمسية لتلك المرحلة تحسن الهيكل الاقتصادي الصيني بشكل كبير، حيث بلغت القيمة المضافة للصناعات غير الزراعية 85.1% وحوالي 14.9% للمنتجات الزراعية، كما حدثت طفرة كبيرة في البنية التحتية من حيث تطوير شبكة الطرق ومد خطوط الغاز الطبيعي للمناطق الريفية، ذلك بالإضافة لزيادة الصادرات التكنولوجية الصينية بشكل كبير والاهتمام بجودتها وليس فقط كميتها.
استمر النمو الاقتصادي الصيني بشكل سريع، وبحلول عام 2010 وصل الناتج المحلى الإجمالي إلى 26.1 تريليون يوان بزيادة قدرها 7.5% مقارنة بعام 2005، وساعد هذا النمو الاقتصادي على وجود زيادة مستقرة في الإيرادات المالية الوطنية مما ضمن تدفق الأموال في العديد من المجالات منها التعليم والصحة والطب.
المصدر : من إعداد الباحثتين اعتمادًا على بيانات البنك الدولي.
قامت الصين في عام 2008 باستضافة دورة الألعاب الأوليمبية بما ساعد على تنشيط الاقتصاد على الرغم من الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية آنذاك، كما قامت الصين في عام 2010 باستضافة معرض إكسبو العالمي في شنغهاى مما أدى إلى زيادة نفوذ وقوة تأثير الاقتصاد الصيني في العالم.
كما ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلى إلى ما يقارب 8000 دولار أمريكي عام 2015 مما وبذلك تصبح الصين ضمن الشريحة العليا للدول ذات الدخل المتوسط عالميًا.
المصدر : من إعداد الباحثتين اعتمادا على بيانات البنك الدولي
شهد الاقتصاد الصيني تراجعًا ملحوظًا في الفترة ما بين عامي (2011-2015)، حيث بلغ معدل النمو في عام 2015 حوالي 6.9% محققًا تراجعًا عن عام 2014 والذي بلغ فيه معدل النمو 7.3% وبذلك تسجل الصين أبطأ نمو اقتصادي منذ 25 عامًا [17].
يرجع التباطؤ في الاقتصاد الصيني إلى النمو الاستثنائي للاقتصاد خلال الثلاثة عقود الماضية، فمن الطبيعي جدًا أن يتراجع النمو، ذلك بالإضافة إلى ارتفاع نسبة المسنين، واستقرار معدلات الاستثمار الذي أصبح يُشكِّل حوالي 49% من إجمالي الناتج المحلي، كما لا يمكن تغافل انخفاض أسعار الأسهم الصينية وتراجع قيمة الأوراق المالية.[18]
تم إنجاز البحث بمشاركة الباحثة : شيماء سليمان
هوامش
[1] https://ar.wikipedia.org/
[2] http://www.worldbank.org/en/
[3]https://www.wikiwand.com/ar/%D9%85%D8%A7%D9%88_%D8%AA%D8%B3%D9%8A_%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%BA
[4] شبكة أو نقابة قام بتأسيسها مراقب الجمارك الصيني مع مجموعة من التجار بغرض منع التجار الأجانب من الإقامة في الصين والسيطرة على احتكار التجارة في الصين وانتهى العمل بنظام الكوهنج في عام 1842 بهزيمة الصين أمام بريطانيا في حرب الأفيون.
[5] يشير مفهوم الخطة الخمسية إلى خطة تتضمن مجموعة من الأهداف الاقتصادية يعدها جهاز التخطيط في الدولة لما تتوقع تنفيذه منها خلال خمس سنوات.
[6] مصلحة الدولة للإحصاءات الصينية، شبكة المعلومات الدولية.
[7]http://alphahistory.com/chineserevolution/great-chinese–famine
[8]https://ar.wikipedia.org/wiki/الثورة_الثقافية
[9] بدأت الثورة الثقافية تحديدا في مايو 1966، فقد حذر ماوتسيتونغ آنذاك من أن من أسماهم بممثليّ البورجوازية قد اخترقوا الحزب الشيوعي، وأنه سيعمل على مقاومتهم، واستجاب لدعوته ألوف الشباب الذين عُرفوا فيما بعد باسم الحرس الأحمر”تكوَّن من الطلبة والعمال المحبطين وصغار الموظفين الذين جرى فيما بعد إرسالهم للعمل في الريف عام 1968″ .فبدأت حملة تطهير دموي للمثقفين والساسة ذوي التوجه الرأسمالي وغرقت الصين في الفوضى التي راح ضحيتها مئات الألوف، وجرى تعذيب الملايين، وتخريب جانب كبير من تراث الصين الثقافي.
[10] تمثلت أهم أهداف الخطة الخمسية الثالثة في توفير الاحتياجات الأساسية كالمأكل والملبس للمواطنين وتطوير البنى التحتية، وأما الخطة الخمسية الرابعة فكانت تهدف إلى زيادة إنتاج الحبوب والصلب والفحم والكهرباء وغيرها من السلع الصناعية, وفي منتصف فترة الخطة الرابعة خفضت لجنة التخطيط توقعات الإنتاج لعدة أهداف منها إنتاج الصلب إلى 30 مليون طن بعد أن كان مخططًا له من 35-40 مليون طن خلال ذات الفترة.
[11]https://en.wikipedia.org/wiki/Socialism_with_Chinese_characteristics
[12]https://ar.wikipedia.org/wiki/اشتراكية_السوق
[13]http://www.chinaasia-rc.org/index.php?p=32&id=414
[14]http://arabic.people.com.cn/93785/7739356.html
[15]http://revsoc.me/revolutionary-experiences/lsyn-1989-lmdh-slt-ldm-fy-mydn-lslm-lsmwy/
[16]Naughton, Barry. The Chinese economy: Transitions and growth. MIT press, 2007.p98.99
[17]http://www.bbc.com/arabic/business/2016/01/160119_china_economic_growth_slowest
من اجمل ما قراءت عن اقتصاد الصين الله يوفقك