مدخل إلى الاقتصاد الجزئي | كيف تدير أمك مصروف البيت
الاقتصاد، وما أدراك ما الاقتصاد!
هل فكرت يومًا في تعلم الاقتصاد؟ في الأغلب ستكون الإجابة بـ (لا).
لماذا يعزف الناس عن دراسة الاقتصاد؟
عادة ما تكون الإجابة بأنه علم معقد مليء بالرموز المبهمة والرسومات البيانية المعقدة، حتى في النشرة الإخبارية على التلفاز أو في البرامج الحوارية، يشعر الناس أن الاقتصاديين يتحدثون لغة غريبة لا يفهمها سوى الاقتصاديين أنفسهم.
الأمر صحيحٌ نوعًا ما، هل يفهم الناس كلام علماء الذرة أو علماء الفلك؟ بالطبع لا! فما الفرق إذن؟ ولماذا نلوم الاقتصاديين ولا نلوم الفيزيائيين؟
نعم، معكم حق، البروتونات و النيوترونات و الثقوب السوداء لا تؤثر على حياتنا بشكلٍ مباشر كما يفعل الاقتصاد. لكن هناك نقطة أخرى تغيب عن أذهان العديد من الناس؛ و هي أن الاقتصاد رغم ما يحتويه من رموز ورسوم بيانية مبهمة هو في المقام الأول علم اجتماعي مما يجعله علمًا معقدًا إلى درجة جعلت المؤرخ الإنجليزي « توماس كارليل » يلقبه بـ العلم الكئيب. (1)
فأين يكمن التعقيد وأين تكمن الكآبة؟
سؤالٌ جيد، سأحاول الإجابة عنه بشكل مبسط :
الاقتصاد معقد؛ لأنه مجال تفاعلي بين الإنسان والمادة، الإنسان بتكوينه النفسي وحاجاته ورغباته التي لا تنتهي، والمادة باعتبارها موردًامحدودًا لايكفي لإشباع نهم الإنسان لكل مايحتاجه أويتمناه.
فـمن هنا تأتي الكآبة، فالمشكلة الاقتصادية هي أننا لا نستطيع إشباع كل رغباتنا لأن الموارد الموجودة غير كافية، أو لأنها موجودة في صورة أولية يجب أن نعمل عليها ونخصص لها جهدًا ومواردًا إضافية كي نستطيع الاستفادة منها.
1) استخراج المعادن : توجد بعض المعادن المهمة للغاية كالحديد في صورة خام، لذا يجب على الإنسان التنقيب عنه واستخراجه ومعالجته ليتمكن من الإستفادة منه.
2) الخبز: من المتفق عليه أن هذه سلعة يحتاجها الجميع ولكن هل تمطرالسماء خبزًا ؟
رغم أن ذلك قد يكون شيئًا جميلًا، لكن إمكانية أن تمطر السماء ضفادعًا أكبر بكثير، فنحن نحتاج بذورالقمح لنزرعها ثم نحصدها بعد أن تنبت، ثم نقوم بمعالجة القمح بطحنه لنحصل على الدقيق، ثم نضيف إليه موادًا أخرى كالملح والخميرة ثم نطهوه في الفرن لكي نستطيع أن نستمتع بالخبزالذي نحبه جميعًا.
عمليات التنقيب والاستخراج والمعالجة هذه تحتاج بدورها إلى موارد بشرية ومادية كبيرة، هذ امن جهة، ومن جهة أخرى، بما أن الموارد الاقتصادية محدودة فإنه يستوجب على الفاعلين الاقتصاديين أفرادًا كانوا أو مؤسسات التنافس للحصول عليها باستخدام وسائل مشروعة كانت أم غير مشروعة ، وهكذا يتحول التنافس إلى صراع ثم إلى حرب، والتاريخ مليء بالشواهد على هذا التحول – و ما غزو العراق عنا ببعيد –
هذا الوضع المعقد الذي يعيشه الإنسان على كوكب الأرض يُحتم عليه أن يقوم بتدبيرموارده المحدودة لكي يستطيع إشباع حاجاته ورغباته بشكلٍ أوبآخر، وهذا– باختصار شديد – هو الاقتصاد.
علم إدارة الموارد المحدودة
بشكل عام فإن الاقتصاد يدرس تفاعل الإنسان بالموارد على مستويين: جزئي وكلي
على المستوى الجزئي؛ يهتم الاقتصاد بالفاعلين الاقتصاديين – أفرادا، أسرًا أو مؤسسات – كوحدات تتخذ قرارات الاستهلاك والإنتاج والادخاروالاستثمار بشكل موحد، فأنت فرد تختارما الذي ستستهلكه وما الذي ستنتجه؟ وهل ستدخر شيئًا أم لا؟ وهل توجد إمكانية لاستثماربعض مواردك في أي شيء؟
وإذا كنت ربًا لأسرتك ومعيلًها فأسرتك تُعتبر فاعلًا اقتصاديًا، له موارد محددة – مرتبك ومرتب زوجتك – ويتخذ قرارات الاستهلاك والادخاروالاستثمار كفرد واحد، لذا تعتبره كوحدة واحدة أي كأنّ الأسرة شخص واحد.
الأمر نفسه ينطبق على الشركة التي تعمل بها، فمجلس إدارته يقررما الذي سينتجه؟ وما الذي سيستثمره ويدخره؟ كأنه شخص واحد، وبذلك يمكن اعتبارالشركة فاعلًا اقتصاديًا يتخذ قرارات اقتصادية.
وبالمثل فالجمعية التي تتطوع فيها زوجتك هي وحدة اقتصادية تتخذ قراراتها الاقتصادية كفرد واحد، لكن الفرق الأكبر هو أن مورد شركتك هو أرباحها ومورد الجمعية هو التبرعات التي تجمعها.
كل هذه القرارات بين الفاعلِين الاقتصاديين والتفاعلات بينها يدرسها الاقتصاديون في فرع يطلقون عليه اسم “الاقتصاد الجزئي”.
للاقتصاد الجزئي تعريفات مختلفة، لستَ بحاجة لمعرفة أيًا منها! لكن كل ماتحتاج أن تعرفه حقًا هو:
يمكنك أن تعتبرهذا تعريفًا للاقتصاد الجزئي إن أردت، لكن لا تلمني إن سألتني في يومٍ آخر وأعطيتك تعريفًا مختلفًا، فالأمر أوسع من أن تشمله تعريفات محددة بصياغة موحدة .
ــــــــــ
(1) الباحثون السوريون : لماذا يسمى الاقتصاد بالعلم الكئيب
ولكن كيف تدير أمي مصروف البيت؟!!
هذا ما سنعرفه في المقالات القادمة بإذن الله 🙂
لن أتطرق للمحتوى ولكن أود أن أشيد بأسلوب الكاتب في السرد .. اللغة المستخدمة رقيقة وراقية ومشوقة 🙂