تقليص عجز الموازنة | بين ألم التقشف و ذل الدين
كيف يجب أن يتم تقليص عجز الموازنة ؟
إن كنت مواطنًا مصريًا فأنت بالتأكيد قد سمعت عن محاولات الحكومة المصرية والتي تمتد منذ فترة طويلة للحصول على مبلغ وقدره 4.8 مليار دولار أمريكي من صندوق النقد الدولي بحسب تقرير لرويترز
ولكن هل تعلم عزيزي المواطن لماذا تقوم حكومتك بالاقتراض؟!
الإجابة ببساطة هي أن الحكومة المصرية لديها عجز في موازنتها يقدر بـ 25 مليار جنيه مصري – بحسب البيان المالي الصادر عن وزارة المالية عن الموازنة العامة للدولة لعام 2015/ 2016. – كما ذكرنا في في حديثنا عن الموازنة، يحدث هذا الجزء عندما عندما تصبح نفقات الدولة أكثر من إيراداتها.
يمكن للحكومة أن تستعين بطرق أخرى بعيدًا عن الاقتراض؛ حتى تقلل عجز الموازنة فعلى سبيل المثال يمكنها:
- تقليل النفقات العامة، ويمكن للحكومة فعل ذلك عن طريق ما يعرف بالإجراءات التقشفية، وهي اجراءات قاسية تتخذها الدولة لتحد من نفقاتها ومنها على سبيل المثال؛ تقليل الدعم بمختلف أنواعه سواء كان دعم للمواد الغذائية أو دعم للطاقة.
- زيادة الضرائب التي تجمعها الدولة كل سنة. وتعتبر هي أيضًا جزء من حالة التقشف التي قد تتبعها الدولة، وذلك إما بتقليل التهرب الضريبي، أو بزيادة نسبة الضرائب، أو توسيع قاعدة المواطنين الذين تطبق عليهم الضريبة.
- زيادة معدلات النمو الاقتصادي، فعند فعل هذا لا تصبح الدولة في حاجة لفرض مزيد من الضرائب؛ وذلك لأن زيادة معدلات النمو تعني بالضرورة زيادة ما يتم إنتاجه في الاقتصاد و كذلك زيادة الدخل مما ينتج عنه تلقائيًا ارتفاع حصيلة الدولة من الضرائب دون الحاجة لرفع نسبتها.
حسنًا، تبدو هذه الحلول معقولة، ولكن في المعتاد لا تلجأ لها الحكومات في حل مشكلاتها وذلك لأن:
- الحل الأول له تأثيرات على المواطن؛ لأنك ستخفض من النفقات عن التعليم والصحة والبنية التحتية، أو ستخفض من الدعم على السلع الأساسية، أو الإعانات التي تعطيها بعض فئات المجتمع.
دعونا نوضح ذلك بمثال.. إذا استيقظت من نومك ووجدت أن الحكومة قررت رفع الدعم عن رغيف الخبز، فبدلًا من خمسة قروش مقابل رغيف أصبحت تدفع خمسة جنيهات، أظنك تعرف رد فعلك حينها، بمنتهى البساطة ستنزل إلى الشارع أنت وجموع المواطنين لتبدي اعتراضك على هذا القرار الظالم من وجهة نظرك.
- بالنسبة للحل الثاني وهو زيادة الضرائب
أولًا: فالحد من التهرب الضريبي أمر صعب، خصوصًا إذا كان الفساد منتشرًا في أجهزة الدولة كما هو الحال في أغلب دولنا العربية.
ثانيًا: فزيادة نسبة الضرائب ستزيد من تكلفة إنتاج السلع عند الناس، وبالتالي سيرفع المنتجون أسعار السلع، وقد يصبح تأثير هذا أشبه بتأثير خفض الدعم على السلع.
ثالثًا: فزيادة القاعدة الضريبية – أي عدد المواطنين الذين يدفعون الضريبة – يعني ببساطة أن بعض من كانوا لا يدفعون الضرائب وَجَبَ عليهم دفعُها.
- أما الحل الأخير، فالمشكلة أن نتائجه لن تظهر إلا بعد سنوات، إن إستطعت تحقيقه أصلًا، وذلك لأن النمو يتحقق عندما تقل البطالة وترتفع معدلات الاستثمار، و تقل معدلات التضخم، كما أن النمو لا يعبر عنه برقم فحسب فقد تحقق الدول معدلات عالية من النمو الاقتصادي ولكن بسبب سوء توزيع نتاج هذا النمو لا يحدث فرق حقيقي في المجتمع.
لهذه الأسباب تلجأ أغلب الحكومات إلى الاقتراض؛ كونه الحل المريح الذي لا توجد له أضرار على المدى القريب. فبدلًا من مواجهة غضب الناس، أو بدلًا من بذل مجهود كبير لزيادة معدلات النمو، تقوم الدولة بالاقتراض رغبة منها في حل مؤقت وسريع.
الاقتراض: الحل السحري
إذا اقتربت نهاية الشهر ووجدت نفسك قد أنفقت مرتبك كاملًا وأردت الاقتراض من أحدهم لحل مشكلة عجز موازنتك الصغيرة، فلمن تلجأ ؟ والدك؟ أحد أصدقائك؟ أحد أقربائك؟ أو من أحد البنوك.
بنفس الشكل عندما تواجه الحكومة مشكل عجز الموازنة فهي تقترض من فئتين:
- أقربائها: أي البنوك المحلية، ويسمى هذا النوع من الاقتراض بـالدين المحلي
- الغرباء عنها: كالبنوك والمؤسسات المالية الأجنبية – كصندوق النقد والبنك الدولي – أن عن طريق إصدارها لسندات (مقال السندات) ويسمى هذا النوع من الاقتراض بـالدين الخارجي.
وسنتطرق لكل نوع بقليل من التفصيل فيما تبقى من المقال
الدين المحلي
عندما تتصفح الجرائد فيظهر أمامك عنوان يخبرك أن الحكومة قد طرحت أذون و سندات خزانة. فإنك بمنتهى البساطة تطرح الخبر جانبًا و تستمر في البحث عن صفحة الرياضة و أنت لا تعلم أن هذا الخبر يؤذيك أكثر من هزيمة فريقك المفضل! أعِرني انتباهك الآن حتى تعرف لماذا قد يهمك هذا الخبر.
أولا: ما هي أذون وسندات الخزانة هذه؟
إذن أو سند الخزانة عبارة عن ورقة تبيعها الحكومة وتتعهد فيها بدفع عائد للمشتري (نسبة من قيمة الورقة) وإعادة ثمن هذه الورقة في وقت لاحق.
لنبسط الأمر دعنا نضرب المثال الآتي: الحكومة تحتاج أن تقترض مليون جنيه فماذا تفعل؟
- فتذهب للبنك (أ) تبيعه السند مقابل المليون جنيه، هذا السند بمثابة إقرار من الدولة على أنها استدانت من البنك، هذا المبلغ مقابل أن تعطيه كل شهر، كل ستة أشهر أو كل سنة (نسبة فائدة، وفي نهاية المدة المتفق عليها) بعد 3 أشهر مثلا تعطيه المليون جنيه التي اقترضتها.
وبالتالي تكون النتيجة:
1- الحكومة حصلت على المليون جنيه التي تحتاجها.
2- الحكومة مضطرة إلى دفع مليون ومئة ألف جنيه بعد ثلاثة شهور.
ثانيًا: من قد يشتري هذه السندات؟
أي شخص يمكنه شراؤها ولكن بسبب ضخامة المبالغ المطلوبة فإن المشتري الأول والأبرز هي البنوك. تمتلك البنوك التجارية أموال المودعين، فتستخدمها في مثل هذا الاستثمار المربح والمضمون.
ثالثًا: مادخلك أنت بهذا كله؟
في نهاية الأمر كله أنت هو الشخص الذي يسدد كل هذه المبالغ و الفوائد وذلك لأن الحكومة تقوم بتسديدها من خلال إيراداتها والتي تتمثل معظمها من الضرائب التي تقوم أنت بدفعها، هذا أولًا. أما ثانيًا هو ما يحدث إن لم تمتلك الحكومة المبلغ المطلوب سداده في الوقت المحدد، في هذه الحالة تقوم الحكومة بطبع نقود جديدة لتسديد دينها مما ينعكس نهاية في ارتفاع الاسعار
الدين الخارجي
هو قرض تطلبه الحكومة إما من دول أجنبية أو من مؤسسات دولية تقوم بعملية الإقراض كالبنوك الكبرى والمؤسسات المالية كصندوق النقد والبنك الدوليين.
يمثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أهم المؤسسات التي تمنح قروضًا للدول ولكن هذه القروض تختلف باختلاف أهداف هذه المنظمات فصندوق النقد الدولي أنشئ بهدف مساعدة الدول في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، أما البنك الدولي فهدفه هو التنمية والمشروعات التنموية.
تقدم هذه المؤسسات قروض بشروط مختلفة ويتم الاتفاق بين مسؤولي البنك أو الصندوق وبين الحكومة على حجم القرض و مدته وشروطه وكيفية تطبيقها.
وعلى سبيل المثال فقد قدم صندوق النقد الدولي قرضًا قيمته 5.34 مليار دولار أمريكي للعراق وذلك لدعم الاستقرار الاقتصادي، بينما في تونس كانت قيمة القرض 2.9 مليار دولار أمريكي وذلك لخلق فرص عمل للشباب التونسي وتعزيز النمو.
بعد أن عرفت ما هي موازنة الدولة وتعرفت على كفتي ميزانها (الإيرادات والنفقات) وفهمت الحالات الثلات التي يمكن أن تكون عليها هذه الموازنة (الفائض والتعادل والعجز) وعلمت كيف يمكن للدولة أن تسد هذا العجز، ولماذا تلجأ الدول في أغلب الحالات إلى الاستدانة من الداخل أو من الخارج. يبقى هناك سؤال مهم هل الاستدانة لسد العجز تعود على الاقتصاد بفائدة أم العكس؟
بقي لك أن تعرف فائدة هذه الاستدانة، وهل تساهم في تخفيف العجز فعلا؟
هذا ما سنتطرق له في المقال القادم بإذن الله.
المقال رائع ، الأسلوب سهل ومبسط